الأحد، 30 أكتوبر 2016

هاي.. هلاي... By By !

من المؤكد أن القوى الدولية الغربية والأوروبية التى دعمت إنشاء محكمة الجنايات الدولية باتت على موعد حقيقي مع (ساعة الحقيقة)! فالدول الإفريقية التى راقت بها فكرة إنشاء قضاء جنائي دولي يمنع إفلات مجرمي الحرب، ومحتلي الدول ومستخدمي أسلحة الدمار الشامل من العقاب وسارعت في العام 1998 للإنضمام إلى ميثاق روما، وهو يومها ميثاق مثالي يومض بالعدالة وسيادة القانون سرعان ما اكتشفت الخديعة الكبرى، إذ أن محكمة الجنايات الدولية التى كانت تحمل ذلكم البريق الخلاب المترع بالعدل ودعم الاستقرار الدولي تحولت إلى هيكل قانوني مفصل بعناية تامة ليوائم مقاس قادة القارة الإفريقية.
 إذ انه وعوضاً عن أن ميثاق روما أعطى السلطة الكاملة لمجلس الأمن الدولي في الإحالة إلى المحكمة وخرق استقلالها منذ الوهلة الأولى؛ فإن كل تجربة المحكمة التى شارفت على العقد ونصف من الزمان انحصرت فقط في ملاحقة قادة القارة الإفريقية وحدهم! ولهذا فقد كان قرار القادة الأفارقة بالانسحاب من ميثاق روما قراراً ضخماً وإن لم تأخذه بعض القوى مأخذ الجد في حينه.
 الآن وبوتيرة متسارعة تنسل الدول الإفريقية تباعاً من ميثاق روما؛ حيث استهلت العملية دولة بورندي في التاسع عشر من اكتوبر 2016، وهي دولة صغيرة بسكان قليلين ومساحة صغيرة ولكن إرادتها السيادية دون شك إرادة قوية، فهي تعلم أنها ستواجه متاعباً من أنواع شتى من دول كبرى، ولكنها فضلت أن تتمسك بالقرار الإفريقي وأن تحتمل في سبيله ما قد يواجهها من متاعب.
لقد سجل التاريخ لهذه الدولة الإفريقية المصغرة أنها من أطلقت صافرة الانطلاق فلم تتردد ولم تتوانى وقررت إخطار لاهاي عبر نيويورك بأنها قد تحللت من ميثاق روما ولم تمض سويعات على قرار بورندي حتى لحقت بها دولة جنوب أفريقيا، إحدى أكبر وأغنى وأخطر بلدان الجنوب الإفريقي، فدولة جنوب أفريقيا ولجت مضمار التاريخ من نضال طويل فاق النصف قرن من الزمان من اجل الانسانية الحقة والعدالة و المساواة، وقاد زعيمها الراحل (نيسلون مانديلا) أضخم ملحمة نضالية قاسية ليخرج بشعبه من ظلمة الظلم التفرقة العنصرية البغيضة إلى رحاب الحرية والمساواة والعدالة.
من الطبيعي أن تتخذ جوهانسبيرج قراراً تاريخياً كهذا، فهي ما تزال بلداً ثورياً يمتلك إرادة ثورية افريقية لا تنطفئ جذوتها قط. ومن المؤكد أن سلسلة خروج الدول الإفريقية من ميثاق روما و الانسحاب من محكمة الجنايات الدولية سوف يستمر ليصبح بمثابة (نزيف) دولي لعدالة دولية عرجاء وضعت نفسها في موضع منحاز للأقوياء وضد الضعفاء، وتركت جرائم الاجتياح الأمريكي والغزو الإسرائيلي المتواصلة للدول، وركزت كل جهدها في ملاحقة قادة الدول الإفريقية الناهضة.
 لم يكف الأوربيين استعمارهم واستعبادهم لأفريقيا لمئات السنين، أخذوا مواردها وأذلّوا إنسانها. لم يكفهم كل ذلك وهاهم في الألفية الثالثة يستهدفونها من جديد. إن خروج إفريقيا من قيود لاهاي هو (الاستقلال الثاني) لأفريقيا من ربقة الاستعمار الأوروبي، وهذا ما بدأ التاريخ يخطه بقلم من ذهب وأحرف من نور على صفحاته الماسية اللامعة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق