الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

تسويق تجاري لحركة عبد الواحد في أسواق تل أبيب!

لم يكن الأمر لينطلي على أحد ممن يتابعون الطريقة التى تتبعها حركة عبد الواحد محمد نور في الدعاية الإعلامية. حركة عبد الواحد -لسوء حظها- كانت تحاول اقتفاء اثر الحركة الشعبية الجنوبية على عهد زعيمها الراحل قرنق، وذلك بالارتباط الوثيق
بإسرائيل دعماً وتدريباً. استخدام كافة وسائل الدعاية المؤثرة. تهويل الأحداث ومحاولة الاستفادة منها.
ولكن ولأن التاريخ وهو يعيد نفسه عادة ما يفعل ذلك في شكل ملهاة كما يقولون فإن حركة عبد الواحد أضحكت وأبكت الكثيرين ممن رأوا (آخر تقليعاتها) وهذه المرة من (تل أبيب). ففي نجيلة يطلق عليها نجيلة ليفينسكي وسط تل أبيب كان هناك حوالي 50 شخصاً، وهم العدد الذي تمكنت حركة عبد الواحد من تجميعه بالكاد وسط العامة الصهيونية.
وحين بدا لمنظمي التظاهرة أن العدد قليل ومجلبة للسخرية لم يكن هناك من مخرج سوى الاستعانة ببعض الأفارقة ذوي السحنات الأقرب لسحنات السودانيين، وبالطبع هناك الآلاف من المهاجرين الأفارقة (إرتريين، أثيوبيين، جنوبيين) وقد كانت المصادفة هذه المرة مشجعة إذ أن 70 من عمال النظافة الأفارقة وهم عمال يومية يتم استخدامهم في تنظيف الساحات وبعض المجمعات السكنية كانوا في ذات الساحة فيما بدا يتجمع المتظاهرون.
ولأن الوقت والظروف ليسوا مضمونين فإن أحد قادة حركة عبد الواحد ويدعى (محمد آدم اسحاق) لم يدع السانحة تفلت من بين أيديهم. وقد رأى أن حوالي 120 شخصاً عدداً لا بأس به، ولا بد له -تنفيذاً لتعليمات قائد الحركة عبد الواحد- أن ينفذ التظاهر وان يرفع تقريراً مفصلاً وعاجلاً بالحدث إلى قائده عبر سلسلة معقدة من الوسائل التى تتطلب وقتاً طويلاً.
المدعو (محمد آدم اسحاق) ساق الموجودين إلى مقر الاتحاد الأوروبي وهناك وقف ليتلو مذكرة أخرجها من جيبه مكتوبة باللغة الانجليزية، بالكاد استطاع الحضور تبين بعض محتوياتها بعد أن اختلط لسان الرجل ما بين لهجته المحلية التى لم تفارق لسانه قط، بعد أن اختلط بالعامية السودانية، وبعض مصطلحات اللغة الانجليزية ذات المدلولات السياسية.
الطريقة التى تلا بها محمد آدم اسحاق المذكرة لم تدع مجالاً لممثل الاتحاد الأوروبي للمحافظة على رباطة جأشه الدبلوماسية الباردة. فقد بدأ قدر من الامتعاض الممزوج بالخيبة يرتسمان بوضوح على مثل الاتحاد الأوروبي والذي كان يتلهف على استلام المذكرة وانفضاض الجمع، وانتهاء الموقف المؤسف بكامله.
ولعلك عزينا القارئ ستندهش -تماماً كما اندهش مسئول الاتحاد الأوروبي- إذا علمت أن فحوى المذكرة كان يتصدره إسقاط نظام الحكم في الخرطوم ثم نزع وتدمير الأسلحة الكيميائية والجرثومية والقنابل العنقودية التى يستخدمها نظام الخرطوم ضد مواطنيه؛ ثم تسليم البشير وكل مجرمي الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية! ثم وقف الإبادة الجماعية في دارفور.
 إذا جاز لنا أن نتغاضى عن مكونات التظاهرة وعددها وحضورها النوعي فيها، فإن من المدهش بطبيعة الحال أن تكون مظاهرة (سودانية) في دولة (إسرائيل) وتقف أمام مقر الاتحاد الأوروبي لتطالب بإسقاط نظام حكم سوداني!
 والأكثر إدهاشاً أن الخرطوم في توقيت هذه المظاهرة كانت قد أنجزت حواراً وطنياً وتوصلت إلى نتائج ومخرجات بحضور وإقليمي ودولي مؤثر. من المؤكد ان مسئولي الاتحاد الأوروبي والمنظمات الأخرى التى حضرت التظاهرة –ومن بينها أمنستي وبعض المنظمات اليهودية– لم يحتفظوا بالمذكرة الدارفورية كثيراً في أرشيفهم الضخم. ولا شك أنهم اختاروا لها مكاناً مختلفاً هذه المرة إذ ليس من الممكن لمن يمارسون الديمقراطية أن يمارسوا ديمقراطية إسقاط أنظمة الحكم لصالح حركة دارفورية تطالبهم بذلك في قلب تل أبيب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق