الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

بعد دعم أمريكا له.. الحوار الوطني...تمايز الصفوف



(لا صوت يعلو على صوت الحوار الوطني)، بدا أنه الشعار الأكثر تطبيقاً وممارسة سياسية خلال الشهور الماضية، فلا يخلو مجلس سياسي أو ندوة أو حديث للحكومة أو المعارضة أو المراقبين على السواء من التطرق إلى الحوار الوطني سلباً كان أو إيجاباً، شرحاً وتفصيلاً لبنوده من المساندين أو تغليظاً ونقداً له من قبل قوى المعارضة التي انتحت مكاناً قصياً وأرسلت تحفظاتها وتخندقت بموقفها القديم المتجدد من أنه لا يفي بمطلوبات التحول الديمقراطي الحقيقي. ومع تأكيد رئيس الجمهورية القاطع بأن الوثيقة الوطنية الناتجة عن الحوار الوطني والتي ينتظر أن تكون أساساً للدستور الدائم للبلاد، ملزمة لكل الناس. وقال (إن المؤتمر الوطني سيكون له القدح المعلى في التنازل عن المقاعد في الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات، لأن الحزب هو صاحب مبادرة الحوار). وأضاف (لسنا خائفين من التغيير القادم.. علينا أن نفسح المجال للقادمين الجدد على جميع المستويات). وأشار إلى أن الحوار لم يأتِ بكل القوى السياسية، (لكنهم قلة لن نغلق الباب أمامهم). وزاد (لا يوجد حوار ثاني لا في الداخل ولا الخارج، لكن الخانات موجودة للذي يريد أن ينضم للحوار ويبصم على الوثيقة الوطنية). وحديث "البشير" يشير بوضوح إلى أن الصفوف الآن تمايزت تماماً مع أو ضد الحوار الوطني، فيما تبدو بعض مواقف القوى السياسية مصبوغة باللون الرمادي وتنظر له بطرف خفي انتظاراً لما ستؤول إليه المخرجات التي تم الإعلان عنها في العاشر من هذا الشهر.
وأمس الأول كشف المبعوث الأميركي لدولتي السودان وجنوب السودان، أن بلاده طلبت من الوسيط الأفريقي "ثابو أمبيكي" الضغط على الحركات المسلحة والقوى الممانعة للالتحاق بالحوار الوطني، موضحاً أن "واشنطن" ترى أن البندقية والحرب ما عادتا وسيلة مناسبة لحل قضايا السودان. وأكد المبعوث الأميركي، (أن الحرب والبندقية ما عادتا وسيلة مناسبة لحل قضايا السودان.. لا بد من وضع حد لمعاناة الشعب السوداني). ويبدو الموقف الأمريكي متناغماً مع الحراك العريض الذي أحدثه الحوار الوطني بالبلاد، وهو موقف قريب من الموثق الألماني.
المعارضة.. موقف المواجهة
اعتبر تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض في السودان، أن مخرجات الحوار الوطني، جزءاً من "مؤامرات" النظام الحاكم المستمرة لشراء الوقت وتلميع صورته للعالم، قائلاً إنها لا تعنيه في شيء. وقال التحالف في بيان صحفي، إن ما يعرف بحوار الداخل والخارج سيصطدم بعقلية النظام التي تخصصت في إفشال كل الاتفاقيات والتفاهمات، التي تجاوزت الأربعين اتف
اقية، (التي لا تعني عند نظام (الإنقاذ) إلا أن يأتي الآخرون ليعملوا عندها مجرد موظفين فقط).
ويرفض تحالف قوى الإجماع، الدخول في حوار مع الحكومة ما لم تتم الاستجابة لشروط على رأسها إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وهو ما يرفضه النظام الحاكم بحجة أن الإلغاء أو التجميد أو التعديل مكانها الحوار ولن تتم بقرارات رئاسية كما يطلب التحالف المعارض. ويؤكد المهندس "صديق يوسف" القيادي الشيوعي والمتحدث باسم التحالف المعارض في حديثه لـ(المجهر)، أن الحوار المطروح لا يحل قضية السودان، لافتاً إلى أن قضية السودان لا تحل إلا باشتراك كل الناس، وأن يتم ذلك في ظروف مناسبة وبعد تهيئة المناخ. وأضاف الأطراف الموجودة بالخارج والتي يريدون منها أن تدخل في الحوار الحكومة تمنع الناس من الالتقاء بهم، هذا مناخ لا يمكن للناس أن يتحدثوا فيه عن الحوار، أي حوار لا يهدف إلى تفكيك نظام الحزب الواحد لا معنى له، مؤكداً أنهم يطرحون إسقاط النظام كبديل أول. ولا يبتعد موقف الحركات المسلحة كثيراً عن موقف التحالف المعارض، فهي تشترط مطلوبات عدة قبل الجلوس على طاولة التفاوض، ولكن الجهود الدولية قد تحدث بعض التغييرات على مواقف تلك القوى مستقبلاً في حال ضغطت عليها وتضاعفت الجهود الأمريكية والألمانية التي تم التصريح بها قبل ذلك. ومن هنا فإن المعارضة الداخلية والحركات المسلحة تضع نفسها في خندق مواجه للقوى التي قبلت بالحوار وبدا أنها سوف تستخدم كل إمكاناتها القادمة للوقوف بقوة ضد أي تحرك سياسي من الحكومة أو حلفائها. وهذا الموقف تمثله مجموعة تشمل الأحزاب اليسارية والقومية مثل الناصري إضافة للشيوعي، وقد وضعت شروطاً للحوار، منها: الإجراءات التي تمهد له، مثل: إطلاق الحريات العامة وحرية التعبير وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، ومنها الصحفية، والإفراج عن المعتقلين.


مجموعة المساندين
حزب الأمة القومي يقف في المنطقة الرمادية التي تنظر إلى الحوار بنصف عين. وقالت نائبة رئيس حزب الأمة القومي "مريم الصادق المهدي"، إن حزبها مستعد للنظر في مخرجات الحوار الوطني بشروط، واعتبرت أن خارطة الطريق الأفريقية أجدى من الحوار الداخلي لتوافرها على ضمانات خارجية وسند سياسي واسع. ولهذا فإن حزب الأمة يختط موقفاً جديداً بالموقوف في المنطقة التي من الممكن أن يعود معارضاً شرساً أو ضمن المنضمين إلى الوثيقة الوطنية، ولكن ثمة إشارات تشير إلى تقارب الأمة مع الحكومة خاصة حديث نائب رئيس الحزب "فضل الله برمة ناصر"، عن أن أجهزة الحزب قررت عودة رئيس الحزب الإمام "الصادق المهدي" قبل نهاية العام الحالي. ويشكل موقف الأمة مع المؤتمر الشعبي مجموعة لوحدها أيَّدت بشكل مباشر هذه الدعوة، لأنها ترى أنها الخيار الوحيد للإصلاح من داخل السلطة مع الإبقاء على النظام.
وهناك مجموعة تشارك في الحوار وهي الأحزاب المشاركة في السلطة حاليًا، وكان منها تأييد كامل لمبادرة الحوار وتشمل تحديدًا إلى جانب المؤتمر الوطني الحاكم، كلًّاً من الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) بزعامة السيد "محمد عثمان الميرغني"، والحزب الاتحادي الديمقراطي (المسجَّل) بزعامة "جلال الدقير"، وحركة التحرير والعدالة الدارفورية بزعامة "التجاني سيسي"، ومؤتمر البجا (شرق السودان) بزعامة "موسى محمد أحمد" مساعد رئيس الجمهورية، فضلًا عن مجموعة من الأحزاب الصغيرة الأخرى.
صراع قادم..أم وفاق قوي؟
الأحوال تشير إلى أن ثمة حركة سياسية واسعة سوف تشهدها البلاد مع تقدم الخطوات الفعلية في إنزال وثيقة الحوار الوطني إلى الواقع، وفي الأنباء أن رئيس الجمهورية قال إن تغييرات دستورية قادمة لتتوافق مع الوثيقة الوطنية، وإكمال مطلوبات الحوار الوطني، بينما ستقف المعارضة في مكانها القديم المعارض للحوار ومخرجاته ووثيقته ومعها الحركات المسلحة، وستعمل الحكومة على جمع تأييد محلي وإقليمي ودولي واسع، وبدا أن المناورة السياسية سوف تتسع رقعتها بين الجانبين، وأن الصفوف التي تمايزت قبل ذلك في عدة مواقف من شأنها أن تظهر تمايزاً جديداً من الممكن أن يكون أكثر حدة وتطرفاً ورفضاً للآخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق