الاثنين، 31 أكتوبر 2016

3 نوفمبر.. أي منعطف في العلاقات السودانية الأمريكية ؟

حاول السفير بووث إبقاء فرص مهمته حيةُ بإقناع الخرطوم إما بتجاوز عقبة اعتراضاتها في شأن نقل الإغاثة من أصوصا الذي تتمسك به الحركة الشعبية، لكسر حدة الجمود، أو بتأجيل طي ملف الحوار الوطني في العاشر من أكتوبر لإعطاء فرصة أخرى
لجهوده، وفي محاولة كسب ود الحكومة وإقناعها بجدية خطته في شأن ملف العقوبات سارع إلى عقد اجتماع نيويورك في الأسبوع الثالث من سبتمبر المنصرم بين كبار المسؤولين عن ملف المقاطعة والحظر في الإدارة الأمريكية، وبين مسؤولين اقتصاديين في الحكومة السودانية ورجال أعمال، ومع أهمية تلك الخطوة على صعيد العلاقات العامة إلا أن مردودها العملي كان محدوداً، فقد كان سقف الجانب الأمريكي مساعدة الطرف السوداني في كيفية اغتنام فرص الاستثناءات والرخص الصادرة في ظل وضع العقوبات الحالي، غير أن المشكلة الفعلية التي لم تعالج كانت تتعلق بإقناع المصارف الدولية، التي دعيت للمشاركة في الاجتماع نحو ما كان مأمولاً بفعل ضيق وقت تقديم الدعوات لها، للتعامل مع السودان الذي امتنعت عنه على خلفية العقوبات الأمريكية التي طالت تلك التي تورطت في ذلك.
بالطبع لم تكن هذه الخطوة المحدودة الأثر كافية لإقناع الحكومة السودانية بالاستجابة لمطالب بووث، حيث لا تزال تعهداته لم تغادر محطة الوعود، ولذلك مضت قدماً في طريقها لإكمال سيناريو الحوار الوطني دون انتظار لمن هم بالخارج أو لمقاطعيه في الداخل، وطرحت خياراً وحيداً لخصومها هو الالتحاق بالوثيقة الصادرة عنه، وفقد بالتالي الوسيط الأمريكي أي قدرة للتأثير على معارضة الخارج في ظل فقدانه لورقة الضغط على الحكومة، وهو ما يعني أن إدارة أوباما لم يعد بوسعها فيما تبقى لها من فترة وجيزة من تأثير على المعادلة الراهنة، خصوصاً في ظل الهدوء العسكري على الجبهات الساخنة. ولذلك أصبحت تصريحات بووث باهتة لا تعني شيئاً فالحكومة مضت في سبيلها، كما أنه لا يملك ما يجبر معارضي الخارج للحاق بها.
ويواجه المبعوث بووث اختباراً عسيراً لصدقية خريطته للتعاطي مع السودان، ففي الخميس الثالث من نوفمبر المقبل، أي في غضون أسبوع واحد، سيحل الموعد السنوي لاتخاذ قرار بشأن العقوبات والحظر الأمريكي المفروض على السودان، والسؤال كيف يتصرف الرئيس أوباما حيال ذلك، فالتجديد التلقائي للعقوبات كما ظل يحدث على مدار الثمانية عشر عاماً الماضية، لن يكون سوى مناسبة أخرى لتأكيد أن الوعود بتحقيق أي تحسن من أي نوع في العلاقات مع الخرطوم ليست واردة في وقت قريب في ظل المعطيات الراهنة وفي ظل نظام الحكم بتركيبته الحالية، كما أن ذلك سيضع الإسفين الأخير في نعش محاولة التقارب الراهنة، ليس فقط بسبب انصراف إدارة أوباما دون أن تقدم على خطوة إيجابية فعلية، بل كذلك لأنه لن يكون بوسع الحكومة في الخرطوم أن تثق في أي وعود أخرى، بعد أن لدغت من الجحر ذاته مرات ومرات.
بالطبع ستكون مفاجأة كبيرة لو خيّبت إدارة أوباما التوقعات الغالبة لو اتُخذ قرار مخالف لها، ومع استبعاد أن تلغى العقوبات والحظر المفروض دفعة واحدة، فمن الممكن أن تتخذ الإدارة بادرة حسن نيّة بالقيام بدلاً عن ذلك باتخاذ قرار يخفف من غلوائها على الأقل، وهناك الكثير ما يمكنها أن تجد له سبيلاً. ولعل عامل الانتخابات الأمريكية التي ستجرى بعد ذلك بخمسة أيام قد يكون حاضراً بدرجة ما في حسابات صانع القرار الأمريكي على الرغم من الاتفاق على ضعف تأثير الأجندة المتعلقة بالسودان على مجريات الانتخابات المستعرة، وعلى الرغم من التقدم الواضح للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على منافسها الجمهوري دونالد ترمب، إلا أن الإدارة الديمقراطية قد ترى أن الأمر لا يستدعي أن تثير زوبعة في هذا الوقت الحساس مع تضاؤل إمكانية أن يحدث اختراق في المعادلة الراهنة سوى في شمال السودان أو جنوبه.
وقد يلجأ أوباما لخيار آخر بُعيد الانتخابات على غرار ما فعل مع كوبا، التي استعاد معها العلاقات الدبلوماسية على الرغم من أن العقوبات المفروضة عليها لا تزال سارية، وذلك بمعاوضة رفع العقوبات الخاضعة للتجديد في وقت معين بترفيع التبادل الدبلوماسي مع الخرطوم لدرجة السفير، على الأقل كبديل لصيغة المبعوث الخاص الذي ثبت أن مهمته لم تحقق ما كان ينتظر منها.
يقول مراقبون أجانب على صلة بدبلوماسية أوباما تجاه السودان إنه إذا لم ترفع العقوبات في ظل ما تبقى من عمر إدارته فإن ذلك لن يحدث قريباً، حتى لو جاءت للبيت الأبيض إدارة ديمقراطية برئاسة هيلاري كلينتون، التي ستكون لها أولويات أخرى بالضرورة، ولذلك فهم يعتقدون أن الخرطوم غامرت بعدم تجاوبها مع خطة بووث، ولعل الحكومة من جانبها ترد "وأنا الغني وأموالي المواعيد"، فهي قد بادرت وأعطت لواشنطن ولم تستبق شيئاً، ولم يعد لديها المزيد لتقدمه إلا "بقاءها في السلطة ذاته وسيطرتها عليها"، وبالطبع لا يتوقع أحد منها أن تفعل ذلك مختارة.
ومهما يكن من أمر فإن هناك الكثير من التفاعلات سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو الدولي، وكلها تشير إلى أن الفترة القليلة المقبلة حبلى بكثير من التطورات وكلها ترشح أن الجميع على موعد مع شتاء ساخن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق