الأحد، 23 أكتوبر 2016

الحوار الوطني من الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر!

يخطئ الكثيرون حين يعيدون القول باستمرار ويكررون إن التحدي الأكبر في مشرع الحوار الوطني ليس في وقائعه ولكنه في (تنفيذ مخرجات الحوار). المئات من الساسة المراقبين من مختلف الاتجاهات يعتقدون ان  التحدي في شيطان التفاصيل، ونقل
التوصيات من الأوراق إلى أرض الواقع . هذه المقولة للأسف الشديد ليست صحيحة، هي محض مبالغة سياسية ناتجة عن تراكمات فقدان الثقة بين الأطراف.
صحيح أن الإتفاقيات سياسية سابقة عانت من تحديا التطبيق وما بات يعرف بشيطان التفاصيل وأولها نيفاشا 2005م. ولكن لا أحد يجادل الآن قط أن اتفاقية نيفاشا 2005 قد تم تنفيذها حرفياً بدليل ولادة الدولة الجديد في جنوب السودان في العام 2011. إن إنفاذ مخرجات الحوار الوطني ليست شاناً صعباً بحيث يشغل الأطراف ويصبح موضع قلقهم وذلك لعدة اعتبارات إستراتيجية.
 أولاً: المخرجات كان التوصل إليها شاقاً رغم وضوحها وبساطتها وكان مكمن الصعوبة افتقار المشاركين لعنصر الثقة وبعض المشاركين كان يفتقر حتى لـ(أدب الحوار) وكيفية إدارة الخلاف. طوال مدة الحوار (قرابة العامين) زائداً المران الطويل على النقاش والتحاور جعل الجميع يجتازون الامتحان الصعب، امتحان تحرير الخلاف وتسوية الأفكار وتطابقها.
الوصول الى المخرجات لم يكن سهلاً كما تبادر إلى ذهن الكثيرين، وبذا يمكن القول إن ما يجاوز الـ50% من الخلاف قد تم انجازه من خلال الحوار الطويل الشاق.
ثانياً: الحوار نفسه لم يكن مفاوضات . المفاوضات كما هو معروف تقوم على الأخذ والرد فكل طرف لديه موقف و طرح معين و رؤية بعينها ولكن الحوار كان (عملاً سياسياً اجتماعياً)، كان أشبه بالورشة وقاعة البحث التى يحاول الجميع ان يتوصلوا فيها الى نتيجة تشغل بالهم. الحوار لم يكن فيه طرف يطلب من طرف آخر، كان نقاشاً حول قضايا البلاد، وأسس قيامها وكيفية إدارتها. ولهذا هنا يمتاز بأنه (توفق) تام على قضايا ليس فيها طالب او مطلوب -بعكس التفاوض- وهو بهذه الصفة فإن من السهل، بذات الروح التى سادت فه أن يتم ترجمته إلى أرض الواقع.
ثالثاً: الطريقة التى تم إتباعها في عملية الحوار وفرت مادة غنية وجيدة لدستور سوداني دائم ومن ثم فإن مجرد تأسيس دستور متراضى عليه وجرت مناقشة عناصره الأساسية و تفاصيلها على مدى عامين من كل فئات وقطاعات المجتمع السوداني فهو في حد ذاته كان تحدياً كبيراً ومن ثم تصبح عملية صياغته ثم وضعه في قالب قانوني (مسألة فنية) بحتة لا أكثر ولا اقل مع التأكيد على ان المادة التى فرها الحوار مأخوذة مباشرة من شعب السودان و لا مجال للطعن فهيا أو التقليل منها.
رابعاً: لم يتسن ممارسة ديمقراطية حقيقية أكثر من الحوار الحر المفتوح بكل هذا القدر من الحرية لدرجة وصول حملة سلاح من الخارج ومن مسارح القتال أدلوا بآرائهم وعادوا! هذه في حد ذاتها تكفي لكي تدلل على أن العقدة السياسية قد تم تجازها بالفعل و أن بناء الثقة قد تم بالفعل وان كل ما تبقى لا يتجاوز تعزيز هذه الثقة بالسير في ذات الاتجاه الذي ينتهي بأن يطرح الكل نفسه لانتخابات عامة يقرر الشعب السوداني فيها لمن يمنح ثقته. إذن الأمر ليس بذلك القدر من الصعوبة التى تقال، فقد تم تجاوز التحديات الصعبة الحقيقة لم تتبقى سوى التحديات الأقل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق