الخميس، 30 أبريل 2015

واشنطن وبروكسل.. لا ناص من الاعتراف بالانتخابات السودانية!

بعد ظهور نتيجة الانتخابات العامة في السودان وقبل أداء الحكومة المنتخبة الجديدة القسم، فإن الفترة الممتدة من الآن وحتى أداء المؤسسات التنفيذية والتشريعية القسم وشروعها في عملها، يمكن اعتبارها فترة انتقال حقيقي من واقع سياسي إلى واقع سياسي آخر، فالسودان ولحسن حظ قادته السياسيين خاض العملية الانتخابية وهو يتمتع بعلاقات إقليمية ودولية جيدة، ولا نغالي أن قلنا –من الناحية الواقعية– أفضل بكثير من علاقاته في دورة الانتخابات العامة 2010م.
السودان الآن في قلب قضايا دول المنطقة العربية والإفريقية كعضو فاعل، كما أنه وضع القاطرة على القضبان في علاقاته المتأرجحة منذ عقود مع الولايات المتحدة الأمريكية. الولايات المتحدة تدرك أن الحكومة السودانية -قبل أو بعد الانتخابات- تتمتع بقدر من القوة وقدر من المهارة المناسبة في إدارة شئونها الداخلية والخارجية. ولو لم يكن الأمر كذلك لما جرت عملية تقرير مصير الجنوب، والسماح بإقامة دولة جنوبية مستقلة ولما ظل السودان -مع كل ما واجهه من أزمات وأهوال- متماسكاً وصامداً لكل هذه المدة.
ولهذا فإن المزايدة السياسية التي مارستها واشنطن وبقدر من الغلظة أكثر مارسها الاتحاد الأوربي بشأن العملية الانتخابية لم تكن مجدية. كانت محض مناورة قديمة مستهلكة لا تسمن ولا تغني من جوع إذ أنه حتى لو لم تعترف واشنطن أو الاتحاد الأوربي بنتيجة العملية فإنهم مضطرون دون أدنى شك إلى التعامل الفعلي مع تداعيات العملية وما أفضت إليه، وهذا في حد ذاته يكفي بالقدر الذي يحقق مصالح كل الأطراف.
لقد كان واضحاً أن تلك المناورة السياسية ومحاولة التقليل من قيمة العملية الانتخابية كانت لأغراض ممارسة الضغط على الحكومة السودانية وذلك حتى تتراجع عنها، وتعود للحوار مع خصومها في المعارضة. ولكن فيما يبدو أن صناع القرار في واشنطن أدركوا في اللحظات الأخيرة إن أنموذج دولة جنوب السودان التي فاقت التصور في الدمار والاحتراب والمنازعات الأهلية التي لا تنتهي هو آخر ما تريده أن يحدث في السودان.
وليس سراً أيضاً أن واشنطن تدرك في قرارة نفسها أن استقرار ولو نسبي في السودان يتيح أملاً في استقرار دولة الجنوب ولو لم تقم الانتخابات العامة في السودان في مواعديها لكان من الممكن أن يلحق السودان بذات مصير دولة الجنوب، وهذا ما يجعل من موقف واشنطن والاتحاد الأوربي (ودول الترويكا) بصفة عامة من هذه العملية الانتخابية ليس موضوعياً على الإطلاق ويؤكد أن دعم الاتحاد الأوربي وواشنطن للانتخابات العامة 2010 -مع أن الظروف لا تختلف كثيراً في الحالتين- إنما كان من اجل تسريع انفصال الجنوب وهو نوع من الكيل بمكيالين، بات في السنوات الأخيرة سمة عامة ثابتة لمواقف الدول الغربية حيال العديد من قضايا العالم المماثلة.
الأمر الأخير والأكثر أهمية أن العملية الانتخابية التي جرت اتسمت بقدر من النزاهة والشفافية والأمر لا يحتاج لأدلة، كما أنها لم تؤدي إلى اندلاع أعمال عنف بين مكونات سياسية داخلية، والأهم من كل ذلك أن القوى السياسية المعارضة أتيح لها ممارسة حقها كاملاً في مقاطعة العملية باعتباره حقاً ديمقراطياً مكفولاً، كما أتيح للقوى المسلحة أن تعبر عن مقاطعتها هي الأخرى عن طريق استخدام مدافع الكاتيوشا كما حدث في ولاية جنوب كردفان!

إذا كانت كل هذه الوقائع غير كافية للتأكيد على الممارسة الديمقراطية فإن على العقل البشري الذي اخترع الممارسة الديمقراطية أن يفكر في اختراع ديمقراطية أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق