الأحد، 26 أبريل 2015

النتائج الإستراتيجية المهمة للعملية الانتخابية (السودان ابريل 2015م)

الأيام التي سبقت عمليات الاقتراع كانت طبيعية وهادئة ثم جاءت أيام الاقتراع نفسه وتميزت أيضاً بذات الهدوء والاستقرار إلا من أحداث عابرة بمناطق معروفة عنها أنها تشهد نشاطاً عسكرياً في جنوب كردفان ودارفور.
نسبة ممارسة الناخبين لحقوقهم الدستورية في الاقتراع بدت معقولة حتى ولو لم تكن مقبولة بالنسبة للطموحات المرجوة، فالطموحات ليست معياراً موضوعياً لقياس الوقائع وإنما المعيار الموضوعي الوحيد الصالح للاستخدام في مثل هذه الحالات هو المعقولية، وبالنظر إلى الظروف والملابسات ومعطيات الواقع الماثل. فحين يمارس حوالي 42% من الناخبين حقوقهم في التصويت فإن هذه النسبة تبدو معقولة للغاية إذ المعروف أن نسبة التصويت عالمياً في الغالب لا تتجاوز هذا الرقم.
وعلى ذلك فإن غاية ما هو أهم من تفاصيل النتيجة العامة للانتخابات التي شهدها السودان من 13 إلى 16 ابريل 2015 هو أن المراهنة على قيام العملية لتأسيس دورة حكم جديدة لمدة 5 أعوام قادمة كان في محله بصرف النظر بعد ذلك ما إذا كانت الحكومة الجديدة المرتقبة عقب إعلان النتيجة سوف تخوض حواراً وطنياً يفضي إلى مستجدات جديدة أم لا.
المهم هناك حكومة وطنية مفوضة شعبياً لمرحلة مقبلة، وهذا الواقع من مصلحة الحوار الوطني ومن مصلحة الاستقرار ومن مصلحة القوى المعارضة نفسها، ولهذا إذا جاز لنا تعداد النتائج الإستراتيجية التي أفضت إليها هذه العملية الانتخابية فإن بإمكاننا تعدادها على النحو التالي:
أولاً، العملية الانتخابية تميزت بقدر من المعقولية التي لا مناص من أن تقبلها كل الأطراف حتى ولو لم تصرح بعض الأطراف بذلك صراحة. فكما قلنا، نسبة المشاركة كانت مقبولة في مجملها، كما أن الهدوء الذي تميزت به أضفى عليها تميزاً أمنياً مطلوباً. الناخب نفسه تعامل معها بمعقولية، قاطعها البعض وشارك فيها البعض دون أن يتسبب ذلك في أية مواجهات أو غبائن أو أعمال عنف.
ثانياً، أكدت العملية الانتخابية التي جرت إن من الممكن تطويرها والارتقاء بها، إذ أن أخطاء مفوضية الانتخابات كانت أقل من أخطائها في انتخابات العام 2010. كما أن عنصر النزاهة والشفافية بدا واضحاً وذلك من خلال وقائع تزوير محدودة تم ضبطها على الفور وإغلاق المركز الذي وقعت فيه وتحويل الجناة إلى المحاكمة، إضافة إلى أن مفوضية الانتخابات بدت حريصة ونشطة في تمليك الرأي العام المعلومات أولاً بأول.
هذه كلها أمور وممارسات قابلة للتطوير أكثر والتحسين إلى الأفضل ولهذا فإن الدورة الانتخابية المقبلة في 2020ستكون بدون شك أفضل وهذا ما يقطع الطريق تماماً على القوى المعارضة في المحاججة بعدم نزاهة العملية أو عدم شفافيتها.
ثالثاً، بدا واضحاً من خلال نتائج العملية أن المستقلين نالوا أصواتاً أعلى وهذه نقطة جديرة بالاهتمام إذ على ما يبدو أن الناخبين السودانيين يميلون نحو الأشخاص غير الحزبيين أو أن قضايا المرحلة الراهنة تستلزم مرشحين غير مرتبطين بأحزاب، وهذا أمر يستلزم أن تعمل القوى السياسية قاطبة بما في ذلك المؤتمر الوطني على تطويرها لنفسها وممارساتها وأطروحاتها لتحاكي طموحات الناخبين.
رابعاً، أن القوى المعارضة التي لم تخض العملية فوتت على نفسها فرصة عرض نفسها ومعرفة وزنها ومحاولة معالجة الأمر إلى حين قدوم الاستحقاق المقبل 2020, فقد بدا واضحاً أن الخارطة الانتخابية قد تشكلت تماماً في هذه العملية الانتخابية وفقاً للمستجدات الأخيرة التي طرأت فهي إما مستجدات مرتبطة بمناطق معينة تنظر إلى أشخاص بعينهم بصرف النظر عن إنتماءاتهم السياسية (ظاهرة المستقلين)؛ أو مستجدات مرتبطة بأحزاب ولجت الساحة السياسية حديثاً ولكنها ولدت من رحم الجماهير في تلك المناطق وجاءت جراء كفر أهل تلك المناطق بالقوالب الحزبية التقليدية (حزب الحقيقة والعدالة والإصلاح) نموذجاً، أو أحزاب أخرى مرتبطة لا زالت بالطائفة (الاتحادي الأصل).
الآن عرفت كل هذه القوى ما هو الجديد وكيف تتعامل معه. غير أن القوى التي فضلت المقاطعة لا تعرف ولن تعرف حقيقة وزنها ووضعها الجماهيري في هذا الوضع المعقد. إن من المؤكد أن العملية الانتخابية كانت ايجابية بدرجة كبيرة، فهي تقدم دروساً ومواعظ سياسية مهمة للغاية، وهذا بدوره من المنتظر أن يؤثر في عملية الحوار الوطني، كما سيؤثر في الدورة الانتخابية المقبلة بلا أدنى شك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق