الأحد، 26 أبريل 2015

نتيجة الانتخابات العامة.. قراءة إستراتيجية خاصة

على العكس تماماً مما كان يظن الكثيرون ممن كانوا يقللون من جدوى العملية الانتخابية ويؤكدون إن النتيجة محسومة، فإن النتيجة العامة للعملية الانتخابية التي شهدها السودان منتصف ابريل الجاري أعطت عدة مؤشرات ايجابية على توازن المعادلة السياسية بصفة عامة، لصالح البناء الديمقراطي المجرد في هذا البلد الذي بالكاد يتحسس خطاه نحو الاستقرار المستدام والتداول السلمي للسلطة.
أولى المؤشرات أن المؤتمر الوطني وعلى الرغم من تحقيقه لنتيجة متقدمة جداً على كافة المستويات إلا أنه لم يحرز هذه النتيجة بتلك السهولة التي كان البعض (خاصة قوى المعارضة) يقولون بها.
المؤتمر الوطني خسر دوائر قيمة ومهمة لصالح مرشحين مستقلين كانوا قبل الترشح من بين عضوية الحزب، ولهذا الواقع دلالة إضافية أخرى، أن المؤتمر الوطني احتاج لجهد كبير وجبار لتحقيق ما نجح في تحقيقه من نتائج، وهذه النقطة ينبغي أن تسترعي انتباه خصوم الوطني، فإذا كان هذا هو الحزب الأكثر تنظيماً وجماهيراً بذل جهداً كبيراً لتحقيق الفوز ورغم ذلك خسر ما خسر من الدوائر التي كان من المحتم أن يكسبها، فكيف بالقوى السياسية التي تباعدت بينها وبين جماهيرها المسافات منذ عقود وطالت معاقلها المتغيرات السياسية والاجتماعية وهي لا تقر ولا تعترف بذاك؟
المؤشر الثاني، أن مرشح الوطني للرئاسة المشير البشير ورغم كل مطاعن البعض على الوطني بدا هو صمام أمان الرئاسة الوحيد بدليل أن بعض القوى السياسية قاطعت العملية الانتخابية ولكنها وجهت منسوبيها للتصويت لصالح مرشح الوطني للرئاسة (مؤتمر البجا)، وبعض القوى المعارضة الأخرى وجهت منسوبيها لدعم ترشيح البشير فقط وتجاهل بقية مستويات العملية.
أهمية هذا المؤشر الاستراتيجي المهم تكمن في أن الوطني -على أية حال- ورغم كل الخصومة السياسية والعسكرية الموجهة ضده غير أنه يتفوق على كل القوى السياسية الأخرى قاطبة بإمتلاكه لفرس رهان رابح لا مطعن عليه البتة يتمثل في الرئيس البشير، ولهذا كان ملاحظاً من خلال نتيجة العملية الانتخابية أن الرئيس البشير اكتسح كل دوائر السودان القومية برمتها وبصفة كاسحة وباهرة أيضاً بحيث لم ينازعه أحد في هذا الصدد، وربما يمكن اعتباره إجماعاً شعبياً يستلزم الانتباه والاحترام معاً.
المؤشر الثالث أن النجاح الذي أحرزه الوطني بقدر من الصعوبة في ظل تغلب بعض منسوبيه الذين خاضوا العملية من مقاعد المستقلين يكمن فيه الدليل على نزاهة وشفافية العملية الانتخابية لأن الوطني ظل محل انتقاد الجميع طوال السنوات الماضية كونه لم يقوم بالسيطرة على مقاليد الأمور في العملية ويديرها بطريقته الخاصة ومن ثم يحقق لنفسه الفور المستحق. لو كان صحيحاً أن الوطني كذلك لما استطاع المستقلين الذي يدور عنهم الحديث على نطاق واسع من تحقيق أدنى نجاح.
المؤشر الرابع، أن نتيجة العملية الانتخابية في مجملها تشير إلى واقع وخارطة سياسية تتشكل في السودان إذ أن هنالك أحزاب تخوض العملية لأول مرة، وأخرى للمرة الثانية، وهناك قوى ناهضة وواعدة وهذه كلها تصب في مصلحة مستقبل العملية الديمقراطية في السودان إذ أن الملاحظ من مجمل برامج وأطروحات القوى التي خاضت هذه العملية أنها تأتي جميعها في سياق ثوابت وطنية معروفة، وهذا أمر ضروري للغاية، إذ ليست من مقتضيات الممارسة الديمقراطية الخلافات والتفاوت الصارخ في الرؤى والمواقف ويكفي للتدليل على ذلك النظر إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، حيث لا فوارق تذكر.
بل لو نظرنا إلى حزبي العمال والمحافظين في بريطانيا ورغم ما قد يبدو من مفارقات جوهرية إلا أنها أحزاب تتبع ثوابتاً وطنية وبرامج سياسية متفقة على الأسس والكليات. إجمالاً يمكن القول إن نتيجة العملية الانتخابية المعلن عنها ينبغي جعلها خارطة سياسة شديدة الأهمية فهي -للمفارقات- وربما كانت أول نتيجة انتخابية تباعدت بشأنها مواقف القوى السياسية ولكنها وجدت نفسها مضطرة لقبول حقائقها وأرقامها ليعزز بها كل طرف مواقفه السياسي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق