الأحد، 26 أبريل 2015

الحوار الوطني، السياج الآمن لحراسة العملية الديمقراطية!

الحوار الوطني ضرورة سياسية لا غنى عنها على الإطلاق. فكما أن العملية الانتخابية كانت استحقاقاً دستورياً لا غنى عنه وضروري على شرعية السلطة الحاكمة وسلامة واستقرار البلاد فإن الحوار الوطني في الواقع هو الآخر ضرورة صعب تجاوزها.
ولهذا فإن النتيجة العامة للعملية الانتخابية بغض النظر عما إذا كانت في مصلحة هذا الحزب أو ذاك لا يمكن اعتبارها سوى معطى مهم من معطيات الواقع السياسي للسودان لتسهيل وقائع الحوار الوطني باعتبار أن الحوار الوطني ليس حواراً بين طرفين أحدهما حاكم والآخر معارض ولكن الحوار الوطني بمفهومه الاستراتيجي المطلوب هو حوار بين مكونات سياسية سودانية مختلفة في ظل وجود عدد من هذه المكونات في السلطة ومكونات أخرى خارجها ومن ثم يتنافس الكل -استناداً إلى مخرجات النقاش وآلية الانتخابات- في التداول السلمي للسلطة.
وعلى ذلك فإن الحوار الوطني في المرحلة القليلة المقبلة تزداد أهميته لصالح الأطراف كلها، غير أن من المهم أيضاً -لصالح عملية الحوار نفسها- أن نعدد بعض النقاط المهمة الجديرة بالأخذ في الاعتبار من قبل كافة الأطراف.
أولاً، من المهم جداً إيلاء الاحترام لنتيجة العملية الانتخابية وتجنب قدحها أو استخدامها للتقليل من شأن أي طرف من الأطراف التي آمنت بالعملية وخاضتها؛ ذلك أن المساس بنتيجة العملية أو التعامل بمبدأ عدم الاعتراف بها يعيق من الأساس العملية ويعيد الجميع بسرعة صاروخية إلى مربع الشقاق والتصدع العميق القديم.
نتيجة الانتخابات بمثابة موقف سياسي يستلزم الاحترام وعدم المساس ويمكن معالجة قضية الحكم عند الخلاف بالدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد عام أو عامين مثلاً.
ثانياً، بالمقابل أيضاً فإن من الضروري احترام موقف القوى التي قاطعت العملية الانتخابية (وفق رؤيتها) فعلاوة على أن هذا من صميم حقوقها السياسية فهي -بمقاطعتها- شاركت على نحو أو آخر في ممارسة ديمقراطية لأن ذات هذه القوى المقاطعة بدت سعيدة بنتيجة العملية من زاوية كونها أظهرت إقبالاً أقل على التصويت وهو ما جعلها تأخذ بالنتيجة في الشق المتعلق بنسبة الإقبال للتدليل على نجاح حملتها الداعية للمقاطعة.
إن من معجزات العملية الانتخابية في مجملها أنها –وربما لأول مرة منذ سنوات– أرضت الطرفين ولو بدرجة ما! وهذا يستلزم احترام كل طرف لموقف الطرف الآخر.
ثالثاً، تحاشي التعامل بحقائق التاريخ الماضية، وهي علّة سياسية سودانية معروفة تدفع كل طرف لاجترار تاريخ الطرف الآخر لذمه وإدانته! هذه الطريقة لا تساعد على تجاوز الماضي إلى المستقبل، بل هي تعيد الجميع إلى الماضي.
رابعاً، قاعة الحوار هي نفسها –مع كونها مائدة مستديرة– لكنها تصبح خير منطلق لكل حزب أو مجموعة لتحدث عن نفسه من واقع معطياته الحقيقية، إذ من المهم أن تقرّ القوى المعارضة أن هنالك متغيرات طالت جماهيرهم ومعاقلهم القديمة لأن من المستحيل -عقلا ومنطقاً- أن تظل ذات المعاقل القديمة قبل ما يجاوز الثلاثة عقود من السنوات ما تزال بألقها وزخمها السياسي فهناك حروب دامت لعقود وغيرت ما غيرت من الواقع؛ وهناك حركة نزوح بسبب الحرب وهناك حركة اندماج في مدن كبيرة وهناك واقع انفصال جنوب السودان وعودة التركيز على معطيات المستقبل، وضع الدستور الدائم. تنظيم الممارسة السياسية، معالجة اختلالات الأطراف، المعالجة الاقتصادية والاجتماعية.
وهكذا، فإن الحوار الوطني يظل الأكثر أهمية في المرحلة المقبلة باعتبار أن المؤتمر الوطني وحلفائه لم يكونوا يصرّون على قيام العملية الانتخابية من أجل التخلص من الحوار ونفض أيديهم منه، هم كانوا يصرون على الانتخابات باعتبارها عملاً ديمقراطياً منصوص عليه في الدستور إذا تم تجاهله أو تجاوزه فإن الأمور سوف تنفرط.
الآن هناك مدة طويلة للغاية محاطة ومكللة بشرعية دستورية تمتد لـ5 سنوات تتيح للأطراف كلها الحوار بحرية، إذ على العكس مما كانت عليه الأمور قبل الاستحقاق الانتخابي فإن الحوار في السابق كان محكوماً بفترة زمنية ضيقة، عام أو اقل، الآن لا سقف زمني وشيك يعيق استمرر الحوار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق