الأحد، 27 مايو 2018

معركة في غير معترك!

مع ان قضية (نورا)، الفتاة السودانية التى قررت محكمة جنائية سودانية قبل أيام توقيع عقوبة الاعدام عليها قصاصاً على خلفية قيامها بقتل زوجها طعناً بالسكين مع سبق الاصرار؛ مع ان هذه القضية في حقيقتها قضية جنائية عادية نظرتها محكمة جنائية عادية ووقفت على وقائع واضحة ثم توصلت  إلى قرارها؛ إلا ان بعض الاصوات ارتفعت معارضة حكم المحكمة بدعوى ان الفتاة المحكومة مظلومة!
الاتحادالاوربي -للاسف الشديد- خاض في القضية وأبدى معارضته للحكم. بعض المنظمات الحقوقية محلياً و دولياً سارعت للخوض في القضية على امل ان يشكل ذلك ضغطاً على الجهاز القضائي السوداني للتراجع عن الحكم.
بعض كتاب الرأي -للاسف الشديد أدلوا بآراء في القضية وعارضوا الحكم. الذي يدهش من زاوية موضوعية مجردة ان الناشطين الذين يعارضون الحكم بدوا وكأنهم انساقوا إلى (عواطف انسانية جياشة) تركوا قواعد العدالة والقانون وتجاهلوا تمماً حقوق أولياء الدم، ورثة المجني عليه الذي تلقى عدد من الطعنات المهولة.
تركوا كل ذلك وركزوا على هتافات اعلامية وصحفية يعجب المرء كيف انساقوا خلفها متجاهلين القانون. ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن احد او الانحياز لطرف –وهذا هو مكمن خطأ الخائضين في القضية، فقد أعلنوا انحيازهم الصارخ للمدانة فقط، وهو امر لا يتسق مع الذين يتعاملون مع قرار قضائي صادر من محكمة مختصة. هدفنا هنا ان نبين ثغرات الخائضين والتى تجملها في:
أولاً، الحكم الصادر، صادر عن محكمة جنائية سودانية عادية؛ يصدر حكم كهذا يومياً في عشرات القضايا الجنائية المماثلة. والمحكمة التى اصدرت الحكم ليست محكمة نهائية اذ ينبغي ان يعرض حكمها على محاكم استئنافية اعلى حتى يصل إلى المحكمة العليا التى يوجب قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1991 ان تؤيد الحكم او تنقضه إن رأت خلاف ذلك.
ولهذا فان من المستغرب -مع افترضنا الوعي و الادارك لدى الناشطين محليا ودولياً- ان تجري معارضة حكم واسباغ (صفة سياسية) أو صفة حقوقية عليه في مرحلة أولي كهذه. الاتحاد الاوروبي الذي يزعم أنه يدرك الحقوق و القوانين والاجراءات يجهل -للاسف الشديد أيضاً- ان الحكم ابتدائي وأنه ما يزال قيد النظر امام الحاكم الاستنافية.
ثانياً، الزخم الاعلامي الصادر بحق هذه الدعوى الجنائية يلامس احدى اهم محظورات العدالة، وهي المتعلقة بالتأثير على سير العدالة اذ ان التناول الاعلامي –غير الرشيد وغير الموضوعي والمدفوع فقط بدوافع عاطفية وحقوقية– هو دون شك بمثابة ضغط وتأثير على سير العدالة وهو امر مذموم يصعب قبوله من أي جهة كانت.
ثالثاً الاكثر أسفاً ان ما يشاع من تزويج المدانة في سن صغيرة واجبارها على الزواج بغرض القول ان الحكم غير عادل، محض ادعاء، وزعم لا يجد ادنى سند من الوقائع لان الحكم في الدعاوي؛ أي دعاوي هو (عنوان الحقيقة) إلى ان يلغي الحكم أو يعدل من جهة قضائية أعلى مختصة ولم يثبت حتى الآن ان المدانة صغيرة السن او ان هناك اجبار وقع عليها او إكراه للزواج، فهي تجاوزت الـ18 سنة بإقرارها والمستندات المقدمة منها!ّ
ان اكثر ما يؤسف في مثل هذه القضايا العادية ان البعض يلبسها ثوباً مغايراً، فالكل نسي دماء المجني عليه وحقوق ورثته، ونسي بشاعة الجريمة وطريقة تنفيذها وركزوا كل جهدهم في هامش الهامش.
لقد عانى السودان من مثل هذه الترهات غير المؤسسة, عانى من اطلاق دعاوي حقوقية كاذبة غير حقيقة، عانى وما يزال يعاني من وصم جهازه القضائي وكأنه بلا عقل او قلب والاكثر اسفاً ان بعض ابنائه يقودون مثل هذه الحملات دون وعي ودون تبصر أو إدراك لابعادها الخارجية المدمرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق