الثلاثاء، 22 مايو 2018

التعديل الحكومي الأخير في السودان من وجهة نظر استراتيجية!

التعديل الوزاري المحدود الذي اجرته الحكومة السودانية مؤخراً يمكن قراءته من عدة زوايا ذات ابعاد استراتيجية هامة: أولاً، التعديل الذي اقتصر على 8 وزراء اتحاديين و 5 وزراء دولة وحوالي 10 ولاة ولايات هو تعديل يخص حصة المؤتمر الوطني بنسبة مشاركته في الحكومة الوفاقية القائمة حالياً.
ومن المهم هنا ان نشير الى ان حكومة الوفاق التى تحكم السودان حالياً هي احد أهم وأبرز مخرجات مشروع الحوار الوطني الذي انجزه السودان قبل حوالي عام ونيف.
وحين نشير إلى مشروع الحوار الوطني ومخرجاته، فإننا بالضرورة نذكر الناس بأن حكومة الوفاق محكومة ببرنامج الحوار الوطني و التوصيات التى يجب انفاذها، ولهذا فان قيام الحكومة بتعديل هذا العدد من الوزراء الاتحاديين والولاة يأتي في اطار رؤية المؤتمر الوطني، مقروءة مع طبيعة المرحلة وروح مخرجات الحوار.
ثانياً، اصرار الحكومة السودانية –من واقع التعديل الذي تم– على بقاء الطاقم الاقتصادي ممثلا في وزراء القطاع الاقتصادي (المالية، محافظ بنك السودان، الاستثمار، النفط) وغيرها ناجم عن ذات الامر المتعلق بمخرجات الحوار الوطني، الذي إنبنت عليه موازنة العام 2018م.
والواقع ان الطاقم الاقتصادي الذي يدير البرنامج و الخطط الاقتصادية القائمة لا يفعل ذلك من واقع افكاره الخاصة ولكنه ينفذ مخرجات حوار وطني. الموازنة القائمة للعام 2018 موازنة واقعية أجازها مجلس الوزراء و البرلمان بعد دراسة و تداول، لا يمكن لعاقل ان يطلب إلغاء هذه الموازنة بجرة قلم وهي في ربعها الاول، ولا يمكن لعاقل ان يستبدل الطاقم الاقتصادي المكلف بانفاذها وهي بمثابة (قانون)! إذ ان الكثيرين يجهلون ان الموازنة العامة بعد اجازتها من قبل الحكومة ثم البرلمان تتحول إلى قانون لا يمكن تعديله أو إلغاؤه بقرار او جرة قلم .
ثالثاً، ربما انزعج البعض -وهم محقون- من الازمة الاقتصادية الاخيرة والمعاناة الكبيرة جراء نقص الوقود و الغاز و ارتفاع الاسعار و نظروا إلى الامر من هذه الزاوية  لكن بالمقابل فإننا حيال حكومة تدرك ابعاد الامور من واقع وجودها على السلطة افضل من أي شخص آخر، و خبراء يعرفون خبايا كثيرة ويدركون ان هذه الأزمة الراهنة ازمة عارضة وربما كانت محسوبة، على اقل تقدير فإن هناك امور لا يدرك حقيقتها سوى صناع القرار والمسئولين المباشرين عن إدارة الدولة لا يمكن لهؤلاء ان يتخذوا مواقف او قرارات -بحكم التصاقهم بالملفات- على ذات النحو الذي ينظر اليه منتقدوا الاوضاع! هناك فرق دون شك في رؤية صناع القرار وبعض منتقدي القرارات وناقديها.
 رابعاً، حكومة الوفاق الوطني القائمة تضم عددا كبيراً من الاحزاب والقوى السياسية و الحركات المسلحة التي شاركت في الحوار ولم يقل أيا منهم – من وقاع الازمة – ان الامر يستلزم اسقاط الموازنة العامة و استبدال الطاقم الاقتصادي و هناك أزمة لكن لها أسبابها و بالامكان إيجاد معالجات لها.
خامساً، من الامور التى اضرت بالسودان في تاريخه الطويل ان الاحداث العابرة يتخذها البعض وسيلة لالحاق الضرر بالنسيج السياسي ككل، مجرد وضع اقتصادي صعب يدفع البعض لهدم كل شيء و العودة إلى مربع قديم. ليس من الضروري ان يتم تحميل الازمات بكاملها لمنظومة حاكمة.
هناك دول كبرى معروفة مرت بأزمات اقسى وكلنا يعلم الازمة الاقتصادية الشهيرة التى ضربت العالم بأسره في العام 2008م، في ما يعرف بالازمة الاقتصادية التى وقعت في السوق المالي الشهير في الولايات المتحدة (وول ستريت). الازمة تفاقمت وألحقت اضرار ولكنها عدت وأمكن السيطرة عليها.
لقد اجرى السودان تعديلاً حكومياً من خلال الرؤية الاستراتيجية للحكومة السودانية للتحديات التى يواجهها هذا البلد وسوف يتضح في مقبل الايام آثار هذا الاجراء واهميته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق