الثلاثاء، 22 مايو 2018

نهاية كفاح

إن ثمة تحولات محلية وعالمية تستدعي انتقالا سلسا من الكفاح المسلح إلى النضال السلمي، بهذا يضع ياسر عرمان أحرفه وكفاح حركته المسلحة والمتمردة على مدرجات الهبوط الناعم، ويبدو أن 2018 عام تساقط أوراق الأطروحات السياسية، وإعلان الإفلاس السياسي لكل القوى الحاكمة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني بعد توقف المانح الدولي عن تقديم الدعم، إنه عام التحولات الكبرى وذوبان المشروع السياسي في حامض الواقع المرير.
مشروع الحرب والتمرد الذي يمثله ياسر عرمان أحدث تدميرا في البنية التحتية، ومزق النسيج المجتمعي عبر تصعيد الخطاب الجهوي والعرقي، وساهم في إجهاض فرص عمليات التحول والبناء الديمقراطي عبر تهديدات التطهير العرقي والاثني، وأوصل مشروع الحرب والتمرد البلاد الى مرحلة الدمار الشامل وتخريب الحياة السياسية والاجتماعية، وقاد المنظومات السياسية الى نهاياتها غير السعيدة، كما هو الحال في المشروعين الحضاري والسودان الجديد في تزامن تحسد عليه الصدفة، ومن كرامات عرمان أن نعي الكفاح المسلح جاء والإنقاذ تحول طاقة إمكانها نحو إصلاح ما أفسده التمكين.
مقالة ياسر عرمان تهيئ الساحة للانتقال السياسي بعد تعذر العمل العسكري في تطورات السياسة الداخلية والعالمية وتوازن القوى، أما التطور الأبرز فإن المانحين الدوليين أوقفوا الدعم عن المعارضة السودانية وفشل مشروع وحدتها الذي أنفق فيه ملايين الدولارات على مدى أربع سنوات لم تحقق غير مزيد من الانشقاق، وعرمان إذ يكتب مقالة الانتقال السلمي فهو تحت تأثير انشقاق الشعبية وخيبة الأمل والتغيير، وانتعاش الأمل مجددا من خلال إمكانية تحول الحركة الشعبية الى حزب سياسي على طريقة الكردية والإيرلندية وجنوب أفريقيا.
بإمكان الحركة الشعبية وعرمان الانتقال للعمل السلمي وتكوين حزب لكن ليس بالضرورة على نسق جنوب أفريقيا أو الأكراد وغيرها من تجارب الكفاح المسلح، فالذي حدث في جنوب أفريقيا لم يكن تمردا ضد الدولة المركزية ولا هامشا ضد مركز بل قوى وطنية ضد مستعمر أجنبي، أما الحال الكردية فإن وحدة العرق والمصير الكردي غير متوفرة لا على واقع الحركة ولا في أدبياتها.

ملاحظة جديرة بالاهتمام لتشخيص تمرد عرمان على أي منجز سوداني حتى الذي طرفه الحركة الشعبية التي يمثلها في جميع تخلقاتها من الحرب والسلام والعودة للحرب ثم التفكير في السلام، حيث اكثر عرمان من الاحتفاء بتجارب الآخرين في التمرد أو الكفاح المسلح، حيث استند على اتفاق سلام حركة الفارك الكولومبية مع الحكومة وإنهاء حرب الـ(50) لتبرير خطوة انتقاله السياسي، ونسي تجربة نيفاشا كتجربة انتقال سلس، وما حققته اتفاقية السلام الشامل للحركة الشعبية في كافة الصعد لم تحققه دولة جنوب السودان ولم تحققه العودة للحرب في 2011، لكن عرمان يحتفي بالفارك الكولومبية اكثر من الشعبية السودانية، وهي الأحق بالمثال في تجليات هبوط الحركة الشعبية من عالي الجبال الى سهل السياسة متأثرة بفناء دولة الكفاح وانشطار الحركة الأم والصغرى.. لعلها تستفيد من تجارب الحرب والسلام في انتقالها السلس الثاني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق