الثلاثاء، 30 يناير 2018

نماذج من عدم النضج السياسي للحكومة الارترية!

تناقلت وكالات الأنباء أواخر الأسبوع الماضي خبراً غريباً وقل أن تجد له مثيلاً، فقد أوردت الوكالات هذه إن الحكومة الهولندية اضطرت لطرد الدبلوماسي الارتري (تكيستيس غيبري ماندين) من أراضيها بسبب مسلك غريب ظل الرجل يقوم به، حيث يقوم بملاحقة أفراد الجالية الارترية في هولندا لإرغامهم على سداد ضريبة لصالح الحكومة الارترية!
وزير الخارجية الهولندية (هالييه زيليسترا) قال للصحفيين في معرض تفسيره للحادثة ان حكومة بلاده وجدت نفسها مرغمة على طرد الدبلوماسي الارتري، بعد ان بات الرجل يهدد السلام الاجتماعي في هولندا بهذا المسلك المجافي للأعراف الدبلوماسية.
 وأشار وزير الخارجية الهولندية إلى ان قرار الطرد إشارة قوية لإرتريا، نظراً لاستعمال القوة في جمع الضريبة وما تسببه من (اضطراب اجتماعي وسياسي). الوزير الهولندي قال أيضاً ان قرار الطرد (خطوة ثقيلة جداً) لا تلجأ اليها هولندا إلا نادراً، وأنه بناء على محادثات سابقة مع الجانب الارتري تبين لهم ان السلطات الارترية (لا تتفهم اعتراضهم على طريقة جمع الضريبة لم تبد استعداداً لمراجعة المسألة)!
 ولا  شك ان المتمعن في طيات الحدث المدهش بإمكانه أن يستوعب الطبيعة الذهنية للحكومة الارترية اذ لا تبدو الحكومة الارترية مدركة لطبيعة الأعراف الدبلوماسية و احترام السيادة الوطنية للدولة، ويتجلى ضعف حساسية الحكومة الارترية حيال سيادة الدولة المضيفة وضرورة احترام المبادئ المرعية في العلاقات الدولية فى القيام بممارسة نشاط ذي طبيعة قمعية تحكمية على أراضي دولة أخرى! وهو أمر من الممكن ان نجد له (سوابق مشابهة) في تسعينات القرن الماضي حيت قامت الحكومة الارترية و بالمخالفة لكل تقاليد الدبلوماسية بتسليم السفارة السودانية في اسمرا لقوى معارضة سودانية دون مراعاة لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1959 ودون أدنى اكتراث لما قد يجره هذا المسلك عليها اذا تعامل معها السودان بمبدأ المعاملة بالمثل، وهي يومئذ -اي الحكومة الارترية- دولة غضة لم تنبت لها أسنان وما تزال ترضع من ثدي السودان الذي كان له قصب السبق في قيام دولتها!
إن مثل هذا السلوك الذي بات معروفاً على النطاق الدولي جعل من ارتريا دولة تعاني من عدم النضج السياسي والافتقار إلى اللياقة و النزوع نحو التظاهر بالقوة المتوهمة وعدم الاكتراث. وحين تصبح حكومة دولة ما على هذا النحو فإنها تفتقد احترام المجتمع الدولي ولا يأبه لها أحد، و لهذا ليس بمستغرب ان تسعى الحكومة الارترية لتبني المؤامرات الفطيرة الفجة تستضيف قوى خارجية على أرضها و تشكل تهديداً لجيرانها ولا تهتم بما قد يجره عليها هذا المسلك لكونها دولة صغيرة بالكاد تتدبر أمورها و بالكاد يسمع لها حس بين الفينة والأخرى!
 لقد ابتلى العالم في الآونة الاخيرة بمثل هذه الدويلات التى لا تحمل مقومات الدولة، مجرد رقعة جغرافية صغيرة مقفرة، منعزلة، خالية من عناصر الحياة تسطير عليها مجموعة قابضة من صغار القادة، تظن ان بإمكانها لعب دور اقليمي ودولي، وما أن تحين ساعة الجد حتى تصرخ وتستجدي و تدرك بعد فوات الأوان انها تجاوزت قامتها القصيرة كثيراً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق