الثلاثاء، 23 يناير 2018

الاقتصاد السوداني وإستراتيجية مجاراة الواقع الإقليمي والدولي!

المتأمل في مجريات مسيرة السودان طوال العقود الثلاثة الماضية يلاحظ بوضوح ان المسار الاقتصادي قد تأثر للغاية بمؤثرات محلية وأخرى إقليمية و ثالثة دولية. ولان حركة الاقتصاد حركة كونية، دائرية لا يمكن لدولة من الدول ان تحتفظ لنفسها بموقف خارج نطاق هذه الحركة والدائرة فان السودان بهذه المثابة وجد نفسه في هذا الخضم الزاخر. 
فالمؤثرات المحلية و التى عانى منها الاقتصاد السوداني معروفة:
أولاً، ميراث الديون المتوارث منذ خروج الاستعمار في العام 1956 . ديون السودان التى بلغت حوالي 43 مليار دولار ليست نتاجاً لنظام حكم بعينه وإنما هي نتاج لسلسلة أخطاء و ممارسات متوارثة.
ثانياً، المنازعات الأهلية المطولة التى بدأت بتمرد 1955 في جنوب السودان و نزوع الإقليم الجنوبي المستمر للاستقلال استنزفت ثروات هذا البلد، مضافاً اى ذلك نزاع دارفور ومناطق جنوب كردفان  و النيل الأزرق. وفي واقع الأمر فان المنازعات الداخلية فى السودان هي العامل المؤثر بجدارة على مسيرة الاقتصاد السوداني، فعوضاً عن المال المستنزف في الحرب فان الحروب أعاقت حركة التنمية و حجبت الاستثمار الاجنبي و أضاعت على هذا البلد فرصا ذهبية غالية للاستثمار.
أما المؤثرات الإقليمية فهي: أولاً، تدخل دول الجوار في الشأن الداخلي السوداني خاصة في حرب الجنوب وحرب دارفور وشرق السودان. لقد عانى السودان طوال أكثر من 30 عماً من تدخل دول الجوار في شئونه الداخلية بدعم المعارضة المسلحة و تعطيل التنمية لإدراكهم ان السودان غني بالموارد الطبيعة واذا ما استقر فانه سوف يصبح مارداً اقتصادياً وسياسياً قوياً.
 ثانياً، اعتماد بعض دول الجوار على السودان في الحصول على السلع الأساسية عبر التهريب في ظل حدود طويلة مفتوحة يصعب السيطرة عليها و لقد ثبت مؤخراً ان السلع الاساسية السودانية يجري تهريبها إلى دول الجوار بكثافة بما يلقي بظلال سالبة على أسعارها ووفرتها في السودان.
 أما الاسباب و المؤثرات الدولية ، ففي مقدمتها الازمة الاقتصادية العالمية التى ضربت العالم عام 2008 أزمة (وول ستريت) الشهيرة، وهي ازمة ظلت تداعياتها تؤثر على مجمل حركة الاقتصاد الدولي وبما ان السودان يستورد سلعاً من الخارج فان من الطبيعي ان يتأثر بها.
ثالثاً، أسعار النفط على سبيل المثال ان أسعار الوقود حالياً -على نطاق العالم- ارتفعت، ففي 4 دول خليجية هي الإمارات العربية و قطر و عمان والسعودية (يناير 2018 شهدت ارتفاعاً ملحوظاً وأوردت وكالة الأناضول للأنباء مؤخراً ان الزيادة هي الثانية على التوالي في الإمارات وعمان والربعة في قطر منذ نشوب أزمة الخليج. و تشهد اسعار الوقود فى هذه الدول ارتفاعاً متوالياً وهذا الارتفاع بطبيعة الحال يلقي بظلال سالبة على مجمل حركة المنطقة –كسعلة إستراتيجية عالمية– في كل أنحاء العالم.
فالمملكة العربية السعودية وابتدءا من 1/1/2018 زادت أسعار الوقود بنسب وصلت إلى 27%. والدول الخليجية بصفة عامة وبسبب انخفاض أسعار النفط عالمياً عانت من عجز في موازناتها للدرجة التى قرعت فيها دول الخليج ناقوس الخطر ولجأت إلى فرض ضريبة القيمة المضافة في محاولة لإيجاد حلول سريعة.
إذن لسنا بمعزل عن محيطنا الإقليمي الدولي فالصعوبات الاقتصادية فطالما أننا ندور داخل الدائرة الاقتصادية الدولية فان  من الطبيعي أن نتأثر ومن الطبيعي أن نعاني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق