الاثنين، 28 يناير 2019

محنة أهل السودان

على عكس توقعات العديد من المراقبين، اتسعت مظاهر الاحتجاجات في السودان وازدادت عنفاً، فها هو شهر ينقضي على بدء خروج المتظاهرين إلى الشوارع، من دون أن تكون هناك بوادر لإيقاف الاحتجاجات التي اتخذت في بادئ الأمر بعداً اقتصادياً، قبل أن تتحول إلى مطالب سياسية تزامنت مع عودة رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس حزب الأمة القومي المعارض الصادق المهدي، الذي أراد استغلال اللحظة السياسية للانضمام إلى المطالبين بتنحي الرئيس عمر البشير عن السلطة.
كانت المرة الأولى التي يتحدث فيها المهدي إلى الناس بشأن الأحداث التي تعصف بالبلاد، معلناً تأييد حزبه للاحتجاجات الشعبية التي تطالب بإسقاط الحكومة والسلطة القائمة، قائلاً إن حزبه وقوى التغيير بصدد التوقيع على وثيقة تعرف ب «الخلاص الوطني» تدعو لتنحي الرئيس وتشكيل حكومة انتقالية، وهذا يعني أن الرجل يرغب في إعادة خلط الأوراق في الساحة السياسية التي تغلي من جراء الغضب الشعبي بعدما خرج الناس إلى الشوارع تهتف لتغيير النظام، وهي شعارات أعادت إلى الأذهان تلك التي رفعت في عدد من البلدان العربية خلال موجة ما عرف ب«الربيع العربي»، وانتهت أحداثها بطريقة مأساوية، حيث لا يزال العديد من هذه الدول يعيش مظاهر احتراب وتمزق، وصلت إلى حروب أهلية، كما هو حاصل اليوم في اليمن وليبيا على سبيل المثال.
لا تكفي التحذيرات من دخول السودان مرحلة مشابهة لما شهدته شقيقاتها قبل ثماني سنوات، لكن الأمر لا يخلو من التذكير بأن غياب المشروع السياسي لدى المعارضة وافتقار السلطة أيضاً لخطة إصلاح حقيقية، سيدخلان البلاد في دوامة الاحتراب الداخلي، وقد تستدعى مشاريع تقسيمية خطرها كبير على السودان وأمنه واستقراره، لذلك لا بد أن تكون لدى المعارضة رؤية سياسية ناضجة وبرنامج عمل جاد وحقيقي يضع مصلحة السودان فوق المصالح الحزبية، وعلى السلطة أن تتعاطى مع القضية بنوع من الواقعية، بحيث يلتقي الجميع في منتصف الطريق، وتتم معالجة الأزمة من الزاوية الوطنية لا الحزبية.
تهييج الشارع من دون أن تكون هناك رؤية لما يمكن أن تؤول إليه الاحتجاجات، قد تكون توابعه أخطر على مستقبل السودان، لذلك من المهم أن يبحث الجميع عن قواسم مشتركة ونقطة التقاء يجتمعون حولها لبحث كيف سيكون عليه السودان في المستقبل، إذ إن المكابرة في مواجهة الأزمة، كما حدث في سوريا واليمن وليبيا، جرّت البلاد إلى مستنقع من الحروب، وتم دفع فاتورة كبيرة من استقرار وأمن هذه البلدان، فضلاً عن سقوط مئات الآلاف من القتلى وملايين المشردين في أصقاع الأرض.
لذلك على السودانيين أن يتجاوزوا أخطاء الآخرين ويتعلمون منها، فالمحنة التي تمر بها بلادهم اليوم، يجب أن تذكرهم بمآسي غيرهم، حتى لا تتحول الاحتجاجات الحالية إلى محنة جديدة لا يستطيعون الخروج منها أبداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق