الثلاثاء، 22 يناير 2019

إسقاط النظام؟ أم إسقاط نظام الدولة السودانية بالكامل؟

 المنطق السديد يقول إن المواطنين السودانيين قادوا احتجاجات مطلبية صاخبة بغرض لفت نظر الحكومة ودفعها لمعالجة الأزمة. الرسالة الصاخبة وصت إلى الفور إلى صندوق بريد الحكومة و سارعت بإيجاد معالجات بعضها جاء فورياً وبعضها الآخر قيد المعالجة مع إقرار تام دون أدنى مواربة بصحة المطالب وحقيقة الأزمة وحق المواطنين في التظاهر و الاحتجاجات.
إلى هنا يمكن اعتبار هذا (الحوار المطلبي) رغم صخبه وشدة علو صوته، عادياً، تفهمته الحكومة وقبلت به في سياق إقرارها بالممارسة الديمقراطية التى لا مناص منها. صحيح هنا ان هذا الاحتجاجات أوقعت خسائر مادية وبشرية و كلف الدولة مالاً لا يمكن التقليل منه. وصحيح أيضاً ان البعض من منطلقات تخصهم ركبوا الموجة وحققوا أهداف خاصة على دناءتها وسوءها، إلا أنها أصبحت أمراً واقعاً، غير ان ذات المواطن السوداني الذي قام بهذه الاحتجاجات دون تخطيط مسبق، من المستحيل ان يكون هو نفسه الذي عمل على تغيير الخط المطلبي الخدمي إلى خط سياسي عالي السقف باهظ التكلفة!
فلو كان صحيحاً ولو بنسبة 1% ان هدف ومقصد المواطن المحتج ذلك إسقاط الحكومة وتغيير النظام القائم بكامله لما توقف قط، ولهذا فان ما يجري ألان من استغلال تلك الاحتجاجات العابرة من قبل بعض القوى المعارضة، والتجمعات المجهولة بغية إسقاط النظام بكامله هو في واقع الأمر بمثابة سعي لإسقاط نظام الدولة السودانية بكامله وليس المقصود بالنظام كحكومة، كما هو سائد الآن في اللغة السياسية الحديثة.
الذين يطالبون بإسقاط النظام قصدوا أم لم يقصدوا يهدفون إلى (هدم) نظام الدولة السودانية بالكامل والمتمثلة فى أمنها الاجتماعي و حالة التجانس الاجتماعي الطبيعي المترسخة في شعب السودان بكل اثنياته وقبائله، وأمنها الاقتصادي المتمثل فى الممتلكات العامة التى تستهدف المقار الحكومية و الخدمية ومن السهل ضرب هذه الممتلكات وحرقها في حالة حدوث انفلات عام . وأمنها السياسي المتمثل في رصد سياسي وافر، بالكاد أمكن تجمعيه في مؤتمرات حوار عديدة و عمليات سلام بدأت بأبوجا 2006 والشرق ، 2007 و الدوحة 20102 ثم مشروع الحوار الوطني 2014 ذلكم المشروع الوطني المهول الذي لاقى إجماعاً تاريخياً غير معهود بعد ان نجح في عقد مائدة مستديرة حضرها حتى حملة السلاح و أشرس المعارضين السودانيين المقيمين في الخارج.
 كيف يمكن لعاقل ان يقوم بإسقاط هذه المنظومة القيمية من الرؤى السياسية و العمليات السلمية  القائمة على حقوق وواجبات و ترسيخ لحقوق المواطنة و الحقوق الأساسية؟ بل ان المنطق نفسه يقول ان شعب السودان الذى شارك بفاعلية في ترسيخ هذه المنظومة المتكاملة من المشروعات السياسية التاريخية التى بدأت تفضي إلى الاستقرار التدريجي لا يمكن مطلقاً ان يهب فجأة وعلى حين غرة ليطالب بإهالة التراب على هذه المكسبات الخاصة بالدولة السودانية كدولة وليست خاصة بحكومة او حزب او فئة.
من المؤكد ان الذين ركبوا الموجة  قاصدين وجهة مختلفة تدفعهم اليها منطلقاتهم الخاصة لم يفكروا جيدا في ما يفعلون، ولهذا يلاحظ بجلاء ان غالبة شعب السودان سرعان ما تخلى عن الاحتجاجات المطلبية و تنفض يده منه، وبقي ما يعرف بتجمع المهنيين – وحده – يدير معركته من وراء حجاب و يجتهد و يبذل مجهوداً خارقاً لجرّ شعب السودان اليه والأخير ينأى، ويعجز تجمع المهنيين عن الاستمرار تماماً كما يعجز عن التوقف وتلك ورطته التاريخية المؤملة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق