الأربعاء، 30 يناير 2019

ما بين الانتهازية والقفز من المركب

منذ أن بدأت الاحتجاجات الأخيرة في السودان في التاسع عشر من ديسمبر الماضي، وتمدد حراكها في عدد من الولايات خرجت عدد من الأحزاب من مركب الحكومة التي تحمل فوقها 137 حزبا، فخرج 22 حزباً أبرزهم الإصلاح الآن، وحزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل، والاتحادي الديمقراطي المنشق برئاسة إشراقة سيد محمود، وتيار الأمة الموحد برئاسة محمد علي الجزولي، وتيار المستقبل برئاسة فرح عقار، فضلاً عن أحزاب أخرى معلنين تكوينهم "الجبهة الوطنية للتغيير"، وطالبوا بحل الحكومة والبرلمان الحاليين، وتنحي الرئيس، وتكوين حكومة انتقالية من كفاءات مؤكدين على ضرورة أن يراعى في الحكومة "القادمة" التمثيل السياسي دون محاصصة.
أمس الأول انضم إلى ركب الأحزاب القافزة من مركب الحكومة حزب "الأمة الفيدرالي" برئاسة أحمد بابكر نهار، وأعلن انسحابه من الحكومة على مستوى المناصب التنفيذية والتشريعية بالحكومة معلناً انضمامه لحراك الشارع السوداني في ثورته التي وصفها بـ" المشروعة".
المشهد الآن
بعد خروج الأحزاب من الحكومة نتيجة للتظاهرات فهناك أحزاب خرجت بكامل طاقمها من الحكومة وهذه مثل حزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل، أما حزب الإصلاح الآن فخرج من الحكومة عدا فرد واحد أصر على الاستمرار في المشاركة في المجلس التشريعي، هناك أحزاب مثل حزب الإخوان المسلمين أعلنوا انضمامهم لـ"الجبهة الوطنية للتغيير" وخروجهم من الحكومة، إلا أنهم لا زالوا فيها بعد، هناك أحزاب مثل حزب الأمة "الفيدرالي" حدث لها انشقاق بسبب أن رئيسها أعلن خروجه من الحكومة فيما لم يمتثل وزراؤه لقرار رئيس الحزب وأعلنوا استمرارهم في الحكومة.
انحياز للشعب
غازي صلاح الدين رئيس "الجبهة الوطنية للتغيير" أعلن في "مؤتمر صحفي"- في وقت سابق - انسحابه عن الحكومة وإنهاء مشاركة أعضاء حزبه بالمجالس التشريعية في الخرطوم والولايات، وذلك تضامناً مع حراك الشارع السوداني والاحتجاجات التي انتظمت العاصمة والولايات مؤخراً، كما أكدت الأحزاب المكونة لـ"الجبهة الوطنية للتغيير" على موقفها الداعم للاحتجاجات الشعبية المطالبة بتنحي الرئيس البشير كما دعت الجيش للانحياز لما وصفته بـ"انتفاضة الشعب".
تجسير الهوة
أشار صلاح الدين إلى أن المكتب السياسي لحركة "الإصلاح الآن" قرر الانسحاب من الحكومة، مشيرًا إلى أن الأحزاب السياسية متخلفة عن الشارع الذي توحد وخرج في تظاهرات ـ على حد قوله - مؤكداً بأن هذا الأمر يتطلب منهم العمل لتجسير الهوة بين المواطن والأحزاب.
خرجنا كلياً
د. أسامة توفيق القيادي بحزب "الإصلاح الآن" قال إن خروجهم من السلطة التشريعية كان بالإجماع عدا واحد من تشريعي نهر النيل يدعى حسن محمد أحمد، وأضاف توفيق في حديثه لـ"الصيحة " أمس بأن هذا الشخص الذي خرج على إجماع الحزب في حكم الخارج من الحزب لأن قرار الحزب جاء بالانسحاب من المجالس التشريعية، وأشار توفيق إلى أن هذا الشخص كتب بياناً للحركة يعبر فيه عن موقفه من عدم الخروج، وانتقد توفيق موقف الحكومة في قبول مشاركة الشخص الذي يمثل حزبه لأنها تعلم بأن الحزب قد خرج من التمثيل الحكومي مؤكداً بأنه بمكوثه في المجلس لا يمثل إلا نفسه .
انقسام الفيدرالي
وأدى موقف أحمد بابكر نهار الذي قضى بخروجه من الحكومة وفض الشراكة والانسحاب من المناصب على مستوياتها التنفيذية والتشريعية إلى انقسام في الحزب حيث رفضت قيادات مشاركة في الحكومة الامتثال لقرار رئيس الحزب وأعلنت استمرارها في حكومة "الوفاق الوطني".
أسباب البقاء
وأعلن القيادي بحزب الأمة الفيدرالي عمر سليمان والذي يتولى منصب وزير الثقافة والسياحة والآثار في حكومة "الوفاق الوطني" بأنه مستمر في شراكته مع الحكومة لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد، مشيراً إلى أن قرار فض الشراكة قرار لابد أن يصدر عن المؤتمر العام للحزب، مؤكدا بأن القرار الذي صدر من المكتب القيادي قرار "معيب" مضيفاً بأنه كان ينبغي أن ينتظر المؤتمر العام قبل أن يقرر فض الشراكة مشددًا بأنه لابد من المضي في الشراكة حتى يتم تنفيذ مخرجات الحوار الوطني .
قيد التشاور
هناك أحزاب أعلنت خروجها من الحكومة عبر دخولها في "الجبهة الوطنية للتغيير" إلا أنها لازالت في الحكومة ومن هذه الأحزاب حزب "الإخوان المسلمون"، وقال الأمين السياسي لحزب الإخوان المسلمون أمية يوسف في حديثه لـ"الصيحة "أمس، بأن حزبه ليس لديه أعضاء على المستوى التنفيذي مؤكداً بأن "الجبهة الوطنية للتغيير" متفقة على نقاط عشر ليس من بينها الخروج من الحكومة في الوقت الحالي، مضيفاً بأن أعضاء "الجبهة الوطنية للتغيير" لم يخرجوا حتى الآن من الحكومة عدا مبارك الفاضل الذي خرج من فوره، وأضاف أنهم مع النقاط العشر التي تؤيد حل الحكومة والبرلمان الحاليين، وأشار يوسف بأن موقف حزبه يشبه موقف أحزاب كثيرة من أحزاب "الجبهة الوطنية للتغيير"، وأضاف يوسف بأن خروجهم من الحكومة يبقى قيد التشاور ضمن مجلس شورى حزبه ليقرر فيه وفق المستجدات السياسية، ونفى يوسف وصف موقف حزبه بـ"الضعيف" أو كونه "يمسك العصا من الوسط" لأنه يرى بأن حزبه ليست له مشاركات على المستوى التنفيذي، مشيرًا إلى أنهم يشاركون على المستوى التشريعي فقط، مؤكدًا أن المستوى التشريعي هو في الأصل مستوى "رقابي"، مؤكداً أنهم لم يشاركوا في أي مستوى تنفيذي على مستويات الحكم التنفيذي وحتى مشاركتهم هذه – على ضعفها – فهي الآن تحت النقاش من قبل مؤسسته الحزبية، وأشار أمية إلى أن أحزاب "الجبهة الوطنية للتغيير" يمكنها أن تحدد وقتاً للخروج من الحكومة في جميع مستوياتها رقابية كانت أو تنفيذية أو أن تترك – كما هي الآن – حيث حددوا بأن خروج أو دخول أي حزب في الحكومة متروك لتقديرات الحزب نفسه مضيفا بأن "الجبهة الوطنية للتغيير" اتفقت فقط على النقاط العشر المعروفة للجميع.
موقف "الوطني"
في المقابل وصف حزب المؤتمر الوطني خطوة الأحزاب المنسحبة من الحكومة بأنها خروج على الإجماع الوطني واعتبر موقفهم مخالفاً للممارسة السياسية الأخلاقية.
وقال رئيس قطاع الإعلام بالمؤتمر الوطني د. إبراهيم الصديق – في حديث سابق ــ إن أغلب الأحزاب المنسحبة بلا وزن "سياسي" أو "جماهيري"، وبعض رموز المجموعة المنسحبة تجيد المغامرة السياسية وتغيير المواقف مما يشير لافتقادها "المبدئية" في العمل السياسي.
ظاهرة خطيرة
في السياق نفسه، عزا القيادي بالوطني د. ربيع عبد العاطي موقف أحمد بابكر نهار إلى أنه لم يجد وزارة بينما حدث انشقاق في الحزب وبقى وزراء حزبه مشيراً للمثل "معاكم .. معاكم وناركم تأكلوها براكم"، وأشار عبد العاطي في حديثه لـ"الصيحة " أمس إلى أن هذه الظاهرة خطيرة جداً للأحزاب التي تقل عند الفزع ويكثرون عند "الباردة " وعندما تحدث التحديات ينصرفون وعندما تحدث النعم يتكالبون عليك، مضيفاً بأنه يتوق لمعارضة قوية تعمل من أجل الوطن، ولكن لا يجوز أن تكون الأحزاب في الحكومة وعندما تحدث التحديات يخرجون منها، مضيفاً بأن الذين يعارضون عليهم أن يعارضوا بشرف والذين في الحكومة عليهم أن يعملوا بإخلاص. وانتقد عبد العاطي موقف الأحزاب التي تكون في الحكومة ثم تخرج إذا جدّ موقف مثلما حدث الآن، أي ألا يكون الانضمام في الحكومة من أجل المصلحة والانضمام للمعارضة خوفاً من التحدي ووصف المسألة بالمرفوضة ولا تصب ضمناً لأخلاق السياسية وطالب عبد العاطي السياسيين المعارضين بأن يعارضوا بشرف والذين انتموا منهم للحكومة وشاركوا فيها بأن يكونوا أوفياء.
أحزاب انتهازية
المحلل السياسي الدبلوماسي الرشيد أبوشامة أشار إلى أن الانتهازية موجودة في الأحزاب التي شاركت المؤتمر الوطني في الحكومة، وهي أحزاب ضعيفة بلا أوزان حقيقية أو جماهير ودخلت الحكومة للمصلحة الشخصية، وأضاف أبوشامة في حديثه لـ"الصيحة " أمس، بأن هناك قادة مثل مبارك الفاضل عندما كان مساعداً لرئيس الجمهورية سبق أن خرج من الحكومة، فيما رفضت مجموعته الخروج من الحكومة، مضيفاً بأن مثل هؤلاء السياسيين لا يمكن الاعتماد عليهم، لأن مواقفهم مبنية على المصلحة الشخصية، وبالتالي فإن مثل هؤلاء السياسيين يظلون مهمشين سواء للحكومة أو للمعارضة، ولا تكون لهم أهمية للحكومة، لأنها تعلم بأنهم يجرون وراء كراسي السلطة، أما الأحزاب التي يمكن أن تشكل مواقفها أهمية للحكومة فهي كأحزاب الأمة القومي أو الاتحادي الديمقراطي أو الحزب الشيوعي السوداني لأنها أحزاب مواقفها واضحة، وأضاف أبوشامة أنه على الرغم من أن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل يؤيد الحكومة وقاعدة الحزب ترفض الحكومة وهو ما أدى إلى انقسام الحزب، ولكن رغم هذا فموقف الحزب إذا خرج من الحكومة يمكن أن يتأثر به الوطني، لأنه حزب له وزن سياسي بخلاف الأحزاب الأخرى التي انشقت من أحزاب أخرى بسبب الكراسي، وأشار أبوشامة بأن خروج مثل هذه الأحزاب غير المؤثرة – في هذا التوقيت – لا يزعج الوطني لأنه يعلم بانتهازيتها وربما سعى في شقها في الماضي لخدمة مصالحه، ولكنه ينزعج إذا خرجت أحزاب كبيرة منه .
انتهازية مبارك
وأضاف أبوشامة أن وزراء "الأمة الفيدرالي" لم يطاوعوا رئيسهم أحمد بابكر نهار لأنهم يعلمون بأنه ليس لديه مستوى قيادي، ولأنه ليس بقائد قوي، مشيراً إلى أنه لو كان قوياً لساندوه بالخروج جميعاً، وأضاف أبوشامة بأن أعضاء حزب مبارك الفاضل طاوعوه موخرًا لأنهم أعضاء في مجالس ولائية وبرلمانية مضيفاً بأن مبارك رغم انتهازيته فإن التاريخ لن يرحمه، ولكنه رغم ذلك فهو من القادة الذين لهم سند شعبي كبير، أما غازي صلاح الدين فالعلاقة الأسرية التي تربطه مع مبارك الفاضل ربما هي التي أدت لموقفهما الأخير من تكوين "الجبهة الوطنية للتغيير " فالرجلان سيتقويان ببعضهما وغازي لديه أعضاء حزبه الذين خرجوا معه من الحزب في الماضي، وبالتالي فالرجلان يمكنهما أن يمثلا قوة، ولم يتوقع أبوشامة أن تخرج أحزاب من الحكومة إذا زادت حدة التظاهرات نسبة لأن الأحزاب المتبقية في الحكومة ضعيفة وانتهازية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق