الأربعاء، 30 يناير 2019

خسروا وربح الوطن!

حتى الآن -رسمياً- سقط حوالي 24 قتيلاً، و بحسب وزير الدولة للإعلام في السودان مأمون حسن ابراهيم، فان القتلى و المصابين من القوات النظامية حوالي 200 و تجري سلطات النيابة العامة تحقيقات دقيقة و متأنية لحصر الخسائر في الممتلكات والمؤسسات الحكومية التى تضررت جراء عمليات التخريب و الحرق والتدمير.
وفقدت المؤسسات التعليمية حوالي 30 يوماً خصماً على المقررات الدراسية و الامتحانات التجريبية و الفصلية، و كذلك تعطلت حركة الحياة في مؤسسات التعليم العالي (الجامعات والمعاهد العليا) واضطر بعض الطلاب للعودة إلى ذويهم في أصقاع ومدن بعيدة.
هذه كلها في مجملها بمثابة خسائر فادحة للغاية من أي منظور نظرنا إليها لان السودان هذا البلد المجابه بالتحديات الجسام والمشاكل الصعبة في حاجة بلا شك لأي ساعة وثانية ليمضي إلى الأمام. خاصة وان الذين استغلوا الاحتجاجات هم أصلاً وجهوا انتقادات حول الاداء الاقتصادي و اتساع نطاق الأزمات وغلاء المعيشة، فيا ترى في مثل ظروف كهذي هل من مصلحة هذا الاقتصاد هذا الكم الهائل من الأزمات و الخسائر الاضافية؟
هل من حسن معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة مضاعفة مصاعب هذه الأوضاع وتعقديها أكثر بحيث تزداد تفاقماتها؟ من المؤكد ان الذين تفرغوا و خططوا للاستفادة من سانحة الاحتجاجات لم يكن يهمهم قط لا من قريب ولا بعيد هل تزداد متاعب السودان الاقتصادية أم لا. فالهم كله بالنسبة لهم ان يقتصوا من خصومهم في السلطة وأن يبذلوا كل جهدهم لكي لا تفلت هذه الفرصة، وهي دون شك فرصة نادرة لان كل قبائل اليسار السوداني ظلت منذ أكثر من عقدين ونيف تحلم بإزالة نظام الانقاذ دون ان تمتلك القدرة على ذلك.
وقد سجل التاريخ بأحرف بارزة ان قوى المعارضة طوال هذه العقود المتتالية فشلت في تحرك مربع واحد من اصغر حي شعبية طرفية في اي مدينة سودانية، حتى ذاعت قصة (حضرنا ولم نجدكم) ذائعة الصيت التى أطلقها سكرتير الحزب الشيوعي السوداني، الراحل نقد في ظهيرة مشهود لها وسط الخرطوم حيث توافق قادة القوى السياسية يومها للقيام بتظاهرة (هادرة) تشق عنان السماء و تشعل العاصمة الخرطوم، ولكن في الموعد المحدد -كما هو موثق تاريخياً- تباطأت حركة الأرجل وتراجع القادة، فلم يجد نقد مناصاً من ان اخذ ورقة كرتون وجدها ملقاة ويخط عليها عبارته الشهيرة.
إذن نحن أمام تحد تاريخي لان هنالك إهالة للتراب على منجزات الوطن ومضاعفة خسائره وأوجاعه بفعل فاعلين غير مسئولين، خسائر في الأرواح، خسائر في الممتلكات العامة، خسائر في سلعة الأمن الغالية و إنقسامات داخل النسيج الاجتماعي، وكلها خسائر لا تخدم أي سوداني ولكنها دون شك  تخدم تماماً الذين يعادون هذا البلد ويتربصون به. غير أنهم بعد كل ذلك خسروا كل ما راهنوا عليه وربح الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق