الخميس، 28 فبراير 2019

المؤتمر الوطني.. أسئلة وإجابات صعبة

تتغيّر الأوضاع في البلاد بسُرعة كبيرةٍ في كل الأصعدة، منذ قرارات الجمعة الماضية، ولعلّ نقطة ومحور كل النقاشات في مجالس السياسة، هي وضع المؤتمر الوطني ومكانه من الأعراب وموقعُه في الجمَل المفيدة التي تزاحمتْ في المشهد العام
، ويشهد المؤتمر الوطني نفسه تحوُّلاً مفصلياً ووجودياً هائلاً إلى قول راجح إنه قد تحوّل من حزب حاكِم بالفعل إلى حزبٍ مُساند ومُوالٍ لا أكثر، ربما في أفضل الأحوال في منزِلةٍ بين المنزلتين، لا هو الآن يلعب دوره وفي وضعه السابق، ولا تراجَع بالكامل إلى ما وراء خطوط السلطة ونفوذها. والأهم أنه في ظلّ الأوضاع الراهنة وحتى إشعار آخر سيظل يملأ الدنيا وحتماً سيشغل الناس .
ما يجري في الساحة السياسية وخاصة في رواق المؤتمر الوطني، تطوُّرات مهمة ستدفع الحزب إلى فضاء آخر لن يكون بعده كما كان، إذا نَزع رداء السلطة وابتعَد عنها وصار حزباً كسائر الأحزاب الموجودة، فإنه بلا شك لن يتراجع كثيراً نظراً لخصائصه المتعدّدة المتنوعة، لسبب موضوعي لا يغيب عن ذهن أي متابع. لقد بنى المؤتمر الوطني قاعدة بنائه الصلبة، وهو في الحُكم وتوسّع رأسياً وأفُقيّاً في كل بقاع البلاد وتعمّق في مفاصل الدولة، وكان سبباً في بقائها وقوة شكيمتها، ولا يُمكن تصوُّر أنه كحزب يقوم على مبادئ وأفكار وأيديولوجيا مُتماسِكة أن يتبدّد كما الدخان لمجرد حالة تَموْضعِه الجديدة .
ولا تزال كما يعتقد كثير من المراقبين لهذا الحزب فاعِليّته ولن تنتهي قوّته الجماهيرية، ولن يفقد قواعده الشعبية، ومن الخطأ الاعتقاد بأنه واهِن العظم أو اشتعل رأسُه شيباً، فهو القوة الحزبيّة الأكثر تأثيراً وتنظيماً بين كل مُكوّنات العمل السياسي، ويجب الاعتراف أنه التنظيم السياسي السوداني الوحيد الذي يمتلك أكثر الكوادِر وعياً وتعليماً كمّاً وكيْفاً، ولا يوجد حزب آخر يبزّه في هذا المضمار، وسيكسب كثيراً إذا أحسَن تأطير نفسه واستثمَر وجودَه في هذه المنطقة الوسطى بغض النظر كان رئيس الجمهورية هو رئيسه أم لا ..
بغير كثير جدالٍ… يمُر المؤتمر الوطني بتجربةٍ جديدةٍ بعد التغيير الأخير في تركيبة السلطة وطبيعتها ونهجها، وبعد أن حدَث تغييرٌ في كابينة القيادة فيه بعد مجيء نائب جديد لرئيس الحزب خلفاً للدكتور فيصل حسن إبراهيم الذي أدّى أداء طيّباً قاد فيه الحزب في ظروفٍ حالكةٍ ومُعقّدةٍ وتحديات جسيمة، وسيكون الخلف مولانا أحمد هرون في مواجهة الصعوبات والأسئلة العميقة جداً في المرحلة المقبلة، فهو سيتولّى حزباً خرج للتو من عباءة السلطة، تتناوشه رياح من جهات شتَّى، ويُجابِه قلق عضوية ضخمة تطرح تساؤلات حادّة حول الواقع والمستقبل الجديد ..!
مرحلةٌ كهذه، فيها الكثير من المخاطر، وبها عديد المفاجآت، وتتطلب جهداً ووعياً نوعياً بحقائق الأشياء وتشابُكات وشائكات الأوضاع السياسية السائلة ورمالها المتحرّكة، ومولانا أحمد هرون لديه خبرة وتجربة كفيلتان بجعله أقرب للمزاج العام حول الحزب وداخله، وسيتحدّد تكيُّف المؤتمر الوطني مع وضعه الجديد في قُدرة القيادة التنظيمية والسياسية التي ستقوده إلى ابتكار وإنتاج إجابات لكل الأسئلة الدائرة، وهي بعد الخصب والرمل وتعقيد جزئيات نواة الكائن العضوي .
ومن العسير التكهُّن بما سيكون عليه الحال في هذا الحزب الكبير، وهو يجد نفسه مُحاطاً بهمومٍ ذاتية وأخرى خارج إرادته، لكن في أقلّ تقدير لهذا الموقِف يُمكن القول إن هناك أفقاً جديداً من التفكير قد انفتح داخل أروقة الحزب يتحدّث عنها قياداته ومن ينتجون الأفكار داخله، خيارات عديدة أمامهم ورؤى تنداح واثقة في قدرتهم على تجاوُز الواقع الحالي، وبناء وجودٍ وكيانٍ جديدٍ يحمل في داخله الانبثاق المتجدِّد للحزب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق