الاثنين، 25 فبراير 2019

جديد السودان

جديد السودان.. قديم، فالتطورات التي شهدتها البلاد خلال الساعات القليلة الماضية، لم تحمل مفاجآت على صعيد المواقف التي تتحكم بالمشهد المحتقن منذ بدء الاحتجاجات الشعبية ضد النظام القائم قبل أشهر. فعلى الرغم من الخطاب الذي ألقاه الرئيس عمر حسن البشير في وقت متأخر من ليلة أمس الأول، وأعلن فيه مبادرة من عدة نقاط، إلا أن المبادرة لم تحرك على ما يبدو المياه الراكدة، كما كان متوقعاً، إذ اعتبرتها المعارضة مجرد استدعاء لمبادرات سبق للبشير أن أعلن عنها في أزمات أخرى. غير أن الجديد ربما يكمن في إعلانه حالة الطوارئ لمدة عام، وهي خطوة تعد دليلاً على أنه بدأ يستشعر أن الوضع على وشك الخروج عن السيطرة.
ما عدا ذلك بقيت الأمور على حالها في جزئيات عدة، خاصة ما يتصل بحل حكومة الوفاق الوطني وحكومات الولايات وتشكيل ما أطلق عليها البشير حكومة كفاءات لاتخاذ تدابير اقتصادية صعبة، والتعهد بإجراء «تحقيقات شفافة حول القتلى الذين سقطوا خلال الاحتجاجات»، الذين وصفهم ب«الشهداء»، كما دعا خصومه المحتجين للجلوس إلى طاولة الحوار لتجنيب البلاد المصائب، معتبراً وثيقة الحوار الوطني أساساً متيناً للم شمل القوى السياسية في الداخل والخارج.
خطوة واحدة كان يترقبها الكثير من السودانيين والمراقبين للوثوق بتغير المشهد، تكمن في إلغاء المقترحات المطروحة أمام البرلمان لتعديلات دستورية تتيح للرئيس البشير الترشح لولاية رئاسية جديدة، لكنها لم تعلن من قبله، إذ وجه البرلمان ب«تأجيل النظر» في التعديلات وليس إلغاءها، ما اعتبرته المعارضة خطوة يمكن التراجع عنها في أي وقت، خاصة أن حالة الطوارئ تنتهي في مثل هذا الشهر من العام المقبل، أي قبل شهرين فقط من الانتخابات الرئاسية، وذلك يعني أن إجراء العملية الانتخابية في ظل حالة الطوارئ لا يوفر الحد الأدنى من الضمانات لانتخابات شفافة ونزيهة.
البشير الذي كان مطالباً بخطوات أكثر جرأة، عرض على معارضيه «حواراً شفافاً» لإخراج البلاد من المحنة التي تمر بها في الوقت الحاضر، خاصة أن المحتجين ما زالوا في الشوارع، وربما تتزايد أعدادهم في المرحلة المقبلة، مع رفض تجمع المهنيين والأحزاب السياسية الرئيسية المبادرة الجديدة، خاصة أن الكثيرين كانوا يتوقعون أن يتخلى الرئيس عن قيادة الحزب الحاكم، عند إشارته إلى أنه يتعهد بأن يكون رئيساً على مسافة واحدة من الجميع من الموالاة والمعارضة، غير أن بقاءه على رأس الحزب أصاب المعارضين بالإحباط، ودفعهم للمطالبة بإسقاط النظام بالكامل وليس بالتقسيط.
«تجزئة الحل».. سياسة اتبعها البشير في التعاطي مع خصومه خلال المراحل الماضية، وفيما نجحت هذه التكتيكات في الماضي لعوامل عدة، إلا أنها تواجه في الوقت الحاضر صعوبات مع تزايد ضغط الشارع الذي بدأ يتململ من التباطؤ في اتخاذ قرارات حاسمة تغير من المشهد السياسي في البلاد منذ تسلمه السلطة قبل 30 عاماً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق