الاثنين، 25 فبراير 2019

السودان ما بين تكتيك الفوضى واستراتيجية التدول السلمي للسلطة!

 يستسهل الكثير من المراقبين طريقة التعاطي مع الاوضاع في السودان. بعض الذين يقرأون الاوضاع بتبسيط مخل، يطلقون مبادرات سياسية لمفارقات القدر لا تتجاوز ذات الحلقة الجهنمية المتوارثة تاريخياً في السودان، حكومة انتقالية او قومية، وفترة انتقالية ثم انتخابات عامة.
كل المبادرات التي طروحت حالياً -بصرف النظر عن الذين قدموها وبصرف النظر عن مدى تمثيلهم لاي مجموعات شعبية- تدور فى ذات الدائرة الخبيثة وكأنّ العقلية السياسية السودانية لم تبارح محطة الاوضاع الانتقالية والبدايات الصفرية. وينسى او يتناسى ان قضية الحكومة الانتقالية والفترة الانتقالية لم تعد وفق الوضع السياسي القائم حالياً تستند الى اي سند دستوري او قانوني، بل على العكس تماماً فان الحكومة الحالية هي حكومة ذات مشروعية دستورية وقانونية ولا يمكن بحال من الاحوال تغييرها على النحو الذي يسود الان في اذهان الكثيرين.
 ولكي نضع النقاط على الحروف فإننا نلاحظ: أولاً، ان مشروعية حكومة الوفاق تستند الى مخرجات الحوار الوطني (يناير 2014) وهو مشورع وطني استراتيجي تم إجتراحه أساساً كترياق مضاد لما يسمى بالدورة الخبيثة تلك التى تختزل الممارسة السياسية فى السودان في الحكومات العسكرية و الفترات الانقالية والحكومة التعددية.
مشروع الحوار الوطني مشروع وطني حظي بأكبر توافق وطني فى تاريخ السودان الحديث وخرج كما هو معروف بحوالي 993 نقطة فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه المخرجات -بصرف النظر عن تنفيذها بالكامل من عدمه- هي محل توافق وتراضي كافة الاطياف السودانية، وعلى ضوء هذه المخرجات تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني بمشاركة عدد من القوى السياسية و ليس من قبل حزب واحد؛ ولهذا يثور التساؤل هنا: من يملك حق شطب مخرجات الحوار الوطني وإلغاء هذه المخرجات وفي مقدمتها الحكومة الوفاقية؟
 صحيح هنا ان هناك احتجاجات شعبية ولكن هذه الاحتجاجات استندت الى مسببات محددة ولا يقدح فى مشروعية نظام الحكم -(حكومة الوفاق الوطني)- اخفاقها أو فشلها فى إدارة الشأن الاقتصادي اذ بالامكان اصلاح الاخطاء ومراجعة الاداء وهو ما حدث بشأن حكومة الوفاق فى نسختها الاولى حيث جرى إبدالها بقرار من الرئيس البشير. الحكومة الوفاقية الثانية لا جدال حولها وهو ما يقتضي معالجة الخلل الكامن فيها وليس إهالة التراب على النظام السياسي بكامله و العودة مجدداً الى الوراء.
ربما يتغاضى البعض عن مشروعية ودستورية الرئيس البشير ولكن من المؤكد ان البشير و حكومته حظيت بمشروعية دستورية تاريخية عقب اتفاقية السلام الشامل الموقعة فى كينيا 2005 وهي مشروعية استندت الى الدستور الانتقالي 2005 ذلكم الدستور الذي توافقت عليه كافة الاطياف السياسية السودانية بطريقة او اخرى، وهو الدستور الذى تمت اجازته فى البرلمان السوداني بحضور اطياف السياسة السودانية وفي مقدمتها الحركة الشعبية و الحزب الشيوعي والاحزاب الاتحادية وحزب الامة.
وإزدادت دستورية البشير ترسخاً فى اول انتخابات عامة أعقبت الفترة الانتقالة وهي انتخابات 2010م. ويومها -لمن نسي او تناسى- حشدت كل القوى السياسية قواها لخوض تلك الانتخابات بصرف النظر عن تراجع بعضها أو تردد البعض الآخر، ففي النهاية العبرة بمشروعية العملية الانتخابية وتوافق القوى السياسية حولها، ثم توالت المشروعية فى ابريل 2015 أيضاً بصرف النظر عن الهواجس التى ساورت البعض ولم يخوضوها.
فالمهم هنا ان نظام الانقاذ على اية حال حصل على مشروعية دستورية عقب اتفاقية السلام و أسست تلك الاتفاقية لنظام دستوري سياسي وانتخابات عامة، فكيف اذن، وما الجديد -قانوناً- لكي يتم إلقاء كل ذلك جانباً والبدء من نقطة الصفر؟
ثالثاً، على فرض صحة المطالب الاحتجاجية باسقاط النظام؛ وهو أمر يصطدم كما اشارنا بالدستور والقانون و المشروعية السياسية، فان في مثل هذه الظروف –في ظل وجود آلية ديمقراطية وتمثيل فى الانتخابات العامة– الاصوب والاكثر مقبولية هو اجراء انتخابات عامة مبكرة، هكذا يجري فى كل بلدان الدنيا حين تنشأ ازمة اثناء سريان المدة الدستورية والقانونية لحكومة ما، والسودان اصلاً على موعد مع انتخابات عامة فى ابريل 2020 اي بعد اقل من عام، فلماذا لا ينظر الى الأمر من هذه الزاوية؟ لقد بدا واضحاً ان الامر ليس بالسهولة والاستسهال الممعن فى السطحية الذى نراه الآن!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق