الاثنين، 30 مايو 2016

خطة خروج اليوناميد.. منطق إستعماري مريب!

لدى مناقشة إستراتيجية خروج البعثة المشتركة المعروفة اصطلاحاً بـ(اليوناميد) والعاملة في مهمة حفظ السلام في إقليم دارفور في الاجتماع الثلاثي الذي انعقد قبل أيام بهذه الصدد؛ تمسكت المنظمة الدولية -وعلى وجه يثير الاستغراب- بأحقية
البعثة المشتركة وحدها (الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي) فقط بإبداء الرأي حول الوضع الأمني والإنساني في مناطق الإقليم توطئة للتوصية بسحب البعثة المشتركة منها.
وبحسب الخارجية السودانية فإن ممثلي البعثة المشتركة قالوا إنهم وحدهم من يقرر تحسن الأوضاع ومن ثم إمكانية وضع إستراتيجية الخروج. وبالطبع الأمر هنا لا يحتمل المغالطة من الناحية القانونية، ولكن ومع كل ذلك لندع الناحية القانونية بعيداً ولننظر إلى الأمر من الناحية الموضوعية المنطقية:
 أولاً، ليست هناك قوات حفظ للسلام تعمل في أي بقعة من بقاع العالم وصلت إلى هناك دون الحصول مسبقاً على موافقة سلطات الدولة المعنية. موافقة حكومة البلد المعني، قضية ضرورية وهامة جداً، لأن استجلاب قوات دولية كما هو معروف يمس صميم سيادة أي دولة خاصة إذا كان نطاق تفويضها واسعاً وتحت الفصل السابع.
ومعنى ذلك أن الحكومة السودانية التى أتت هذه البعثة بموافقتها أصبحت طرفاً في كل شأن يتعلق بالعملية سواء بعمل البعثة أو تحركاتها أو بقائها أو خروجها، ولهذا فإن من غير الموضوعي وغير المنطقي أن يقتصر الأمر فقط على موافقة الحكومة على وصول البعثة ودخولها أرض الدولة، ثم تنعدم إرادة الحكومة تماماً بشأن استمرار أو بقاء البعثة وذهابها لو كانت الأعراف الدولية أو مقتضى القانون الدولي الانساني يصب في هذا الاتجاه فإن مهام حفظ السلام ما كانت لتقوم من الأساس في أي بقعة من بقاع العالم لسبب بسيطة وهو أن الأمم المتحدة تسعى لنزع سيادة الدول منها وتجريدها من استقلاها وهو أمر يهدم ويهزم فكرة الأمم المتحدة من أساسها.
ثانياً، على إفتراض صحة حجة المنظمة الدولية بأنها -وحدها- من يقرر مقتضيات وضع إستراتيجية لانسحاب والخروج، فإن هذا يعني بالضرورة أن تعمل البعثة المشتركة بمعزل عن أي تنسيق من اي نوع مع الحكومة السودانية وهذا ما يستحيل تصوره نظرياً وعملياً في آن واحد، إذ أن البعثة المشتركة تحتاج إلى تسهيلات عديدة لا يمكن الحصول عليها إذا لم تمنحها لها الحكومة السودانية مثل التنقل من مكان لآخر وإنشاء مهابط الطائرات والدعم اللوجستي وتأمين بعض الطرق والمنشآت وبعض الترخيص الروتينية الضرورية لتمكين البعثة من أداء مهامها.
فإذا كانت الحكومة تنسق مع البعثة، وتتعاون معها من الطبيعي أن تناقش معها كتفاً بكتف مقتضيات البقاء أو الذهاب، خاصة إذا علمنا -مع  غاية الأسف- أن الأحداث أثبتت على نحو قاطع أن البعثة المشتركة -لسخريات القدرة- ظلت ومنذ مجيئها تحت حماية الحكومة السودانية.
ثالثاً، الاتفاق الذي بموجبه وافقت الحكومة السودانية على عمل البعثة المشتركة في مهمتها في دارفور ورد فيه نص واضح وقاطع لا يقبل أي تأويل مختلف على حق السودان في طلب وضع خطة لخروج هذه القوات. فالذي إمتلك منذ البداية حق الموافقة على وصول البعثة، يمتلك بالضرورة الحق في إبداء رأيه في إخراجها.
رابعاً، الهدف النهائي من وجود البعثة المشتركة كما هو معروف منذ تأسيس مبدأ إرسال قوات لحفظ السلام، هو تثبيت دعائم السلام في المنطقة المعنية، لمساعدة الدولة المعنية في استتباب أمنها واستقرارها وكل ذلك لمصلحة أمن الدولة المعنية ومن ثم الإقليم ومن ثم الأمن والسلم الدوليين، فكيف إذن يمتنع على الدولة المعنية المشاركة برأيها في قياس درجة استقرار الأوضاع، وهي من الأساس كانت التى تقوم بهذه المهمة قبل وصول البعثة وهي أدرى بطبيعة الأوضاع في أرضها؟
 لقد بدا وضاحاً أن هنالك (غرض ما) لبعض القوى الدولية في بقاء هذه القوات لأطول مدة ممكنة لكن المحير في الأمر أن هذا (الغرض) فقد كل مقومات إمكانية تحقيقه ولم يعد الأمر كله سوى إهدار متعمد وبغير طائل للمال العام الدولي، كما أنه أعطى صورة سالبة لعمليات حفظ السلام باعتبارها إحدى أهم مستجدات القانون الدولي الإنساني في القرن العشرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق