الاثنين، 23 مايو 2016

اتفاقية الدوحة اتفاقية إستراتيجية ولا تحتمل الدمج و التكتيك!

مع أن حقيقة الأزمة في إقليم دارفور أبسط وأقل بكثير جداً من ما أشيع عنها عبر الميديا الدولية لأكثر من عشرة أعوام ، بحيث أصبحت (ورقة) في موائد القوى الدولية؛ مع كل ذلك فإن السودان استطاع ببساطة منقطعة النظير ان يتصدى لهذه الحملة الدولة الشرسة واستطاع بحنكة ان يضع لها حلولاً ناجزة.
 أبرز حلول أزمة دارفور تم التأسيس لها في ما عرف بمفاوضات الدوحة التي أثمرت بدورها اتفاقاً في العام 2012 . إتفاق الدوحة الخاص بإقليم دارفور يمكن مقايسته سياسياً وقانونياً بإتفاقية السلام الشاملة الخاصة بجنوب السودان والموقعة في نيفاشا 2005 باستثناء تحق تقرير المصير.
حق تقرير المصير الذي منح لاقليم دارفور في اتفاقية الدوحة هو حق الاستفتاء الإداري، وهو حق تقرير المصير الاداري وكيفية حكم الاقليم كإقليم واحد أو ولايات؛ وهو أيضاً ما تم قليل أشهر قلائل -ابريل 2016م- حيث قرر أهل دارفور اختيار نظام الولايات.
 اتفاقية الدوحة في تشابهها باتفاقية نيفاشا الخاصة بجنوب السدان خاطبت كل القضايا الجوهرية للإقليم، قضايا التنمية والثروة و الموارد والعدالة الانتقالية والاستفتاء الاداري، و السلطة و الخدمات و إنشاء سلطة اقليمية. لم تدع اتفاقية الدوحة قضية تخص الاقليم إلا ووضعتها في صلب نصوصها، بحيث أصبح من المستحيل تماماً ان يزعم أي طرف ان اتفاقية الدوحة أغفلت أمراً من الامور، ولهذا فإن كل من يرغب في وضع السلاح والقبول بالعملية السلمية الجارية في الاقليم لا يملكون خيار سوى مطالعة الاتفاقية ومن ثم الانضمام اليها، وهذه في الواقع مزية مهمة من مزايا هذه الاتفاقية ، فهي وفرت المجهود و الوقت و أثبتت ان الحكومة السودانية ومهما كانت نظرة البعض لها على اية حال مدركة لطبيعة الازمة ونوعية المشاكل التى يعاني منها الاقليم ولذا حرصت على مخاطبة كل هذه القضايا ووضعتها في صلب الاتفاقية و يترتب عليه على هذا الامر عدة اعتبارات مهمة:
 أولاً، من غير المناسب و مهما كانت الدواعي إعادة التفاوض في قضية دارفور مع اي طرف دارفوري و ذلك لان اعادة التفاوض سوف يدمر ما تم بناؤه طوال 5 سنوات مضت، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فهو يفتح الباب أمام ظهور المزيد من الحركات وكل منها -بصرف النظر عن وزنه- لكي يتم التفاوض معه منفرداً بما يستحيل معه إنهاء الازمة على نحو حاسم.
ثانياً، هنالك عشرات الحركات الدارفورية المسلحة التي تناسلت من بعضها وهي متقاطعة في رؤاها مع قلة وزنها السياسي و العسكري بما يجعل من عملية إرضاء كل حركة -وفق رؤيتها- امراً في حكم المستحيل تماماً.
 ثالثاً، هنالك حركات دارفورية لحقت بها هزيمة عسكرية ماحقة (حركة جبريل وعبد الواحد و مناوي) وهي بهذه الهزيمة لم يعد لها ما يجعلها مؤهلة لاشتراط اشتراطات أو فرض رؤى ولا سبيل أمامها سوى القبول بما هو متاح إن كانت من الاساس لا تبتغي سوى حلحلة الازمة.
رابعاً، محاولة إيجاد منبر جديد أو إدراج منبر الدوحة مع منبر آخر بغية استيعاب حركات دارفورية راغبة في السلام سوف يخلق إزدواجية غير مبررة و يمنح المستوعبين حديثاً مزايا لا يستحقونها، خاصة ان هؤلاء الذين يرغبون في السلام لم يرغبوا فيه من منطلق مبدئي بقدر ما ألجأتهم ظروف الهزائم العسكرية المريرة و قلة الدعم وضعف أوضاعهم إلى البحث عن عملية سلمية ظلوا يرفضونها في السابق بلا مبررات.
وعلى ذلك يمكن القول ان اتفاقية الدوحة هي اتفاقية استراتيجية وأساسية  لحل الازمة في دارفور وهي حظيت في حينها وحتى إكمال آخر بنودها بدعم اقليمي ودولي و نجحت بالفعل في اعادة الاستقرار بنسبة كبيرة إلى الاقليم، و قد كان بوسع المجتمع الدولي منذ اكثر من 5 سنوات أن يمارس كل وسائل الضغط لإجبار الحركات الرافضة للإلتحاق بإتفاقية الدوحة. أما و أن يأتي الآن زمان لكي يتم إنشاء منبر جديد ومحاولة دمه بمنبر الدوحة فهي عملية خلط أوراق مقصودة ومدمرة لا يمكن لعاقل ان يقبل بها بحال من الأحوال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق