الثلاثاء، 24 مايو 2016

عادوا ليبحثوا عن كسرة خبز سياسي جافة بعد انفضاض المائدة!

قبول حركتّي جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي للجلوس للتفاوض لم يأتِ بجديد، فقد كابر هؤلاء وظلا على هذه المكابرة حتى فقدا قوتهما العسكرية! ولذا لم يكن لديهما خياراً إلّا خيار التفاوض! وخيار التفاوض في مثل هذه الحالات -وهو دون شك مسنود بقناعة سياسية راسخة- هو أمر شبيه بالاستسلام، وهو بدوره أسوأ خيار -رغم المنحى الايجابي لعملية التفاوض نفسها- إذا كان في توقيت فقد فيه القائد ما يمكنه أن يناور به أو أن يحاجج به ولهذا لن يكون أمراً مستغرباً أن يلحق بهما عاجلاً أم آجلاً، عبد الواحد محمد نور، آخر المهزومين مترسّماً ذات الخطى باحثاً عما يواري به فشله.
والقصة في مجملها تعطي المراقب للشأن الدارفوري صورة واضحة للذهنية السياسية لقادة الحركات المسلحة الذين كان متاحاً أمامهم منذ سنوات طويلة أن يجلسوا لمفاوضات جادة وعملية تمنحهم على الأقل مراكزاً متقدمة ذات قيمة في الصف الوطني، إذ أن السلاح -والسلاح وحده- وكما ظلت وقائع التاريخ وباستمرار تثبت ليس بإمكانه أن يمنح أحداً مزّية سياسية ينتزعها انتزاعاً. السلاح مجرد مرحلة في الغالب ما ينبغي لها أن تطول.
ولكن الحركات الدارفورية المسلحة لسوء حظها أطالت أمر الحرب على أمل أن تربحها، ثم وسّعت نطاقها على أمل أن تحظى بدعم دولي ثم لما أحاط بها اليأس وضاقت عليها ميادين القتال احترفت الحروب مقابل المال في دولة الجنوب وليبيا وأفريقيا الوسطى وتشاد، ثم لما ضاقت بها الظروف أكثر حاولت أن تنشئ تحالفاً ما لبث أن تهاوى مثل صرح من رمال، وفي الوقت نفسه لم تقوى على المواجهة وانتهى بها المطاف إلى البحث عن ما تحفظ به ما تبقى من ماء وجهها .
 الأمر نفسه الآن يطرق باب الحركة الشعبية قطاع الشمال، فميدان القتال صار حجماً لا يُطاق إذا استطاعت الحكومة السودانية بمهارة ملحوظة أن تنجح في تقوية الجبهة الداخلية رغم ما تواجهه من مشاكل ثم تولّت مهمة مواجهة هذه الحركات المسلحة مواجهة شرسة صعبة المراس.
قوات الدعم السريع العالية الجودة والتدريب أدخلت قدراً من الرعب في نفوس الحركات المسلحة بحيث لم يعد بالإمكان إلا أن تهرب هذه الحركات خارج المعاقل والأراضي التي كانت تتخذ منها نقاط ارتكاز. إن الدرس البليغ الذي بدأ واضحاً الآن أن العمل السياسي الطويل النفس المبني على حقائق الواقع والمستند إلى وازع وطني حقيقي هو المخرج الوحيد للذين يحملون السلاح والسودان في كل تاريخه السياسي لم يستطيع حامل سلاح ذي منطلقات جهوية أن يكسر نواته الصلبة.
 أنظر كيف فشلت الحركة الشعبية الجنوبية لما يقارب العشرين عاماً وهي تتمتع بدعم إقليمي ودولي مهول في الوصول إلى مبتغاها إلّا حين وضعت السلاح جانباً وجلست إلى طاولت التفاوض! أذن من الطبيعي بعد أن هزم جبريل وميناوي وعبد الواحد أن يعودا للبحث عن كسرة خبز سياسي جافة يسدّون بها رمقهم بعد أن ظلوا يرفضون بلا موضوعية مائدة الطعام السياسي الجيّد وهو في ذلك الحين ساخناً وجيّد المذاق!  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق