الأحد، 28 أبريل 2019

المؤسسة العسكرية السودانية واقوى السياسية.. حقائق غائبة!

 من الخطأ بمكان ان تقف قوى الحرية والتغيير موقفاً محاذياً للجيش السوداني، موقف الند أو ربما الاخ الاكبر والاقوى. إذ يبدو واضحاً الآن من سياق التجاذبات والتوترات الناشبة بين الاطراف ان قوى الحرية والتغيير تشعر بأنها أكبر وزناً و اكثر قوة وان حقها فى السلطة حق (حصري) وأصيل لا ينازعها فيه حتى الجيش نفسه حامي البلاد ومالك مفتاح الدفاع عنها!
هذه المشاعر السياسية الجياشة فى صدر قوى الحرية والتغيير لا تعكس واقعاً موضوعياً، بل للاسف اوجدت اختلالاً فى موازين القوى من المؤكد انه ربما يتسببب مستقبلاً فى العديد من التنازعات غير الحميدة بين المكونات الاساسية والاستراتيجية للدولة.
من المؤكد ان الفارق شاسع للغاية بين الجيش و بين بقية القوى السياسية السودانية قاطبة وليس فقط وقوى الحرية و التغيير. فارق ومن فرط اتساعه تصعب مقاربته بسهولة، غير انه يكفي هنا ان نشير الى بعض جوانب هذا الفارق، فقط لاغراض هذه المقاربة ولايضاح خطل الاعتقاد القائم على اساس ان الثورة حق اصيل فقط للثوار.
أولاً، الجيش هو مؤسسة قومية سبقت الممارسة السياسية وهو نتاج عملية انصهار قومي و ثبات فى معادلة المكونات الوطنية، وهو بهذه الصفة يمكن اعتباره المؤسسة القومية الاولى فضلاً عن انه اكثر المؤسسات الوطنية تماسكاً و إيماناً بالانصهار القومي ووحدة الهدف والمصير.
مؤسسة بهذه المواصفات لا يجوز التشكيك فى نواياها، او التقليل من جهودها وقدرها مهما كانت المبررات لسبب بسيط وهو انها تعمل بقلب موحد، وهدف موحد بحكم طبيعة المؤسسة وانضباطها وهذا فارق جوهري اصيل تنفرد به المؤسسة العسكرية فى حين ان القوى السياسية مهما بدت تحالفاتها قوية ومتينة فهي قابلة للانهيار و التشرذم والانقسام.
والساحة السياسية السودانية مكتظة بعشرات ان لم يكن مئات نماذج الانقسامات الحزبية والسياسية التى باتت داء عضال يعيق مسيرة العمل السياسي ويزيد من عوامل ضعفه و تراجعه.
ثانياً، من الغريب حقا ان تلجأ القوى السياسة التى تزعم انها صانعة الثورة الى الجيش فى مقره وثكناته طالبته منه الانحياز ثم تعود بعد تحقق الانحياز لتشكك فى من طلبت منه الانحياز لها! الامر بالغ الغرابة هنا لان عنصر الانحياز هو بلا شك العنصر الحاسم الذى لولاه لما حدث التغيير ولا نجحت الثورة، اذ انه ما كان ممكناً على الاطلاق ومها كانت قوة الثوار ان يحدث التغيير لولا التدخل الحاسم للجيش فى اللحظة المناسبة.
اذن كيف يكون هذا العنصر الحيوي المهم، مجرد جهة مسئول عن الدفاع عن البلاد فقط وانه ليس من مهمته ان يكون جهة سيادية تشرف على ادارة فترة الانتقال وادارة العلاقات بين القوى والمكونات المختلفة؟
ثانياً، الجيش مثقل بأعباء امنية واعتبارات استراتيجية مهولة خاصة فى مثل هذه الظروف المعقدة التى اعقبت التغيير، ومن المؤكد ان هناك امور وقضايا بالغة السرية وشديدة الحساسية ليس من الضرورة بذلها للعامة او حتى الساسة، ومن الطبيعي ان يتولى ادارة الدولة فى قمتها السيادية لكي يعالج هذه الامور الامنية الاستراتيجية بدلاً من تركها للساسة الذين ما يزالوا مشحونين بثأراتهم وغبائنهم السياسية حيال قادة النظام السابق غير مدركين لهذه الامور  والقضايا.
مجمل القول ان تحمل الجيش لكلفة التغير الباهظة يقتضي دون شك اعطاؤه الفرصة لادارة تبعات هذه الكلفة ومخاطرها جنباً الى جنب مع الثوار ولكل واحد منهما مهامه وواجباته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق