الأحد، 28 أبريل 2019

المجلس العسكري والثوار.. مخاطر إنفصام عري الشراكة!

 الجيوش؛ أي جيوش فى طول وعرض الكرة الارضية ليست ذراعاً للحكومة او نظام الحكم القائم ولكنها مؤسسة وطنية تعمل بانضباط لحماية ارض وشعب الدولة المعنية؛ بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم، وقد أثبت التاريخ السياسي السوداني -عملياً- هذه الحقيقة الساطعة فى تجارب سابقة، (اكتوبر 1964 وابريل 1985) حين عمل الجيش السوداني على المحافظة على الدولة وشعبها و أمنها القومي بعيداً عن العراك والخلاف السياسي بين الفرقاء والآن فى الوقت الراهن وربما للمرة الثالثة يمر السودان بذات التجربة حيث انحاز الجيش للشعب واستولى على السلطة واحدث التغيير الذى طالب به الشعب.
هذا المكون القومي المحترم يرتكز على هذا الارث الراسخ ومن ثم فان الاطراف السياسية والثوار مطالبون بأن يعلّو من قدر الثقة المتبادلة بينهم وبين الجيش، ولا لشيء ولكن على الاقل من اجل ترسيخ هذا الارث ليصبح صمام امان يحول دون انزلاق السودان في اي يوم من الايام فى أتون حروب تطيح بهيبة الجيش وتنزع عنه صفة احتكار العنف.
ومع أنه ليس من الواضح تماماً ماهية حساسية بعض قوى التى قادت الثورة من وجود الجيش كعنصر اساسي ومهم، بل وشريك فى ادارة المرحلة الانتقالية الى حين انتخاب حكومة مدنية ديمقراطية؛ إلا ان هذه الحساسية غير المبررة وفى اجواء السيولة السياسية المفرطة السائدة حالياً في السودان باتت تتجاوز المنطق بحيث أصبحت:
أولا، تنزع المهابة والتقدير من الجيش وتجعله واقعاً تحت رحمة الثوار وهؤلاء الثوار الذىين لهم كامل الاحترام والتقدير ما ينبغي ان يبالغوا فى الأمر للدرجة التى يستضعفون فيها جيش بلادهم ويجعلونه مشغولاً بهم بأكثر مما هو مشغول ومثقل بالهموم وصيانة الامن القومي وحراسة الحدود، فالجيش مؤسسة وطنية من الدرجة الاولى ولديه مهابته وقدره ومن المؤكد انه شريك بحسب الظروف التى وقعت فى صناعة واقع افضل يجنب البلاد الشرور والوقوع فى شراك المخاطر.
ثانياً، الضغط الشديد القسوة الذى يشكله الثوار على قادة الجيش بالتواجد الكثيف امام مقراته -ليلا ونهارا- بما يمنعه عن اداء انشطته المعتادة وتحريك آلياته وشعوره بمهابته المهنية، وربما يفتح الباب للاعداء المفترضين فى الداخل و الخارج لإدراك نقطة ضعف الجيش السوداني، ومن أين يمكن الضغط عليه وسد منافذ الهواء عليه، وهو امر –مهما كانت دواعيه– يلحق ضراراً دون  بالقوة المسلحة الوحيدة المتحركة للقوة فى السودان.
ولهذا فان تفويض المجلس العسكري الانتقالي للقيام بمهام الفترة الانتقالية فى ظل وجود حكومة مدنية من شأنه ترسيخ عملية الشراكة بين الطرفين من جهة، و تعزيز الثقة و تطويرها بحيث يسهم ذلك فى بناء دولة سودانية قوية تسع الجميع.
ان من مخاطر الانفراد المدني بادارة الفترة الانتقالية مع وجود تمثيل رمزي للجيش، أولاً، غلّ يد الجيش في تثبيت الاولويات الامنية و المخاطر المحدقة بالبلاد وهي أمور تكون لها الاولية، فالسودان وعوضاً عن مشاكل عديدة تحيط به فى جواره الاقليمي يواجه حركات مسلحة فى عدة جبهات مفتوحة قد تتطور وقد تكون قد تطورت الآن بالقدر الذى ربما لا يخطر على بال القوى المدنية.
ثانياً، القوى المدنية المنتظرة ان تعهد ادارة الدولة لها ومهما كانت محايدة وغير حزبية فهي دون شك مشغولة بأولويات اخرى تتمثل في رموز النظام السابق، وكيفية معالجة آثار النظام السابق ملاحقة رموزه، وهي أمور ربما تحجب هذه القوى المدنية عن ترتيب الاولويات.
ثالثاً، طبيعة التقاليد السياسية فى السودان (اكتوبر 1964- ابريل 1985) اوجدت سوابق اعطت الجيش هذه المكانة المميزة ومن الافضل ترسيخ هذه السوابق وأخذ الضمانات الكافية عليها بدلاً من مخالفاتها و الدخول فى تجارب جديدة لا أحد يعرف مآلاتها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق