الأحد، 24 مارس 2019

آلية الحل الإستراتيجي الوحيدة الآن في السودان الحوار!

 الثابت الاكبر فى القضايا والشئون السودانية والذى بات موضع اتفاق الكل بغض النظر عن المنطلقات، ان التحاور و الأخذ والرد وتبادل المشورة الوطنية بين كافة الفرقاء هو الحل الاستراتيجي الامثل والوحيد.
ففي تاريخ السودان الحديث تم الوصول الى استقلال السودان عبر التحاور وتبادل الرأي ليبلغ التوافق اعلى درجاته و تجلياته فى 19 ديسمبر 1955 يوم أن اتفقت قوى المعارضة والقوى الحاكمة على الاستقلال ورفع علم السودان فى باحة القصر الجمهوري بيد الحكام و المعارضين.
كما تم الوصول الى صيغة سياسية نهائية أنهت اطول حرب اهلية طاحنة فى افريقيا – بين السودان وجنوبه – فى يناير 2005 عبر حوار طويل وشاق ومضني. نجح في خاتمة المطاف فى إنهاء الحرب الاهلية الطويلة ووضع اطار استراتيجي تاريخي للنزاع المزمن بإنشاء دولة جنوبية منفصلة.
والشاهد هنا على وجه الخصوص بشأن قضية الجنوب أنها حرب طويلة استمرت منذ ما قبل الاستقلال وحتى العام 2005 أي نصف قرن لم يتسنّ وضع حد لها الا عبر الحوار الكبير والمساومة التاريخية.
قضية اقليم دارفور هي الاخرى ورغم كل قرارات مجلس الامن ومحكمة الجنايات الدولية وقوات حفظ السلام وعشرات الآليات الدولية غير ان اتفاقية الدوحة 2012 وضعت لها إطار استراتيجي و الذى على أساسه بدأ الانسحاب التدريجي لقوات حفظ السلام، كما انهت اعمال العنف، كما أنجزت المئات من المشروعات التنموية و الخدمية فى الاقليم، بل ان اتفاقية الدوحة – المبنية على حوار استراتيجي – اصبحت بمثابة اتفاقية مرجعية ظل العديد من حملة السلاح ينضم اليها بإضطراد.
مشروع الحوار الوطني الذى انطلق بمباردة حكومية (يناير 2014) هو أيضاً مشروع وطني اضافي ذي طابع استراتيجي أسس لوثيقة وطنية ما تزال وستظل مرجعاً سياسياً يستحيل الاستغناء عنه بحال من الاحوال، فهي وثيقة وضعت اطاراً شاملاً لقضايا السودان السياسية الوطنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بمشاركة تاريخية واسعة النطاق من عشرات الاطياف السياسية والفكرية والفئوية السودانية ولم يستثن أحداً. حتى حملة السلاح حضروا وشاركوا عبر ضمانات قوية، قالوا رأيهم بصراحة وتم وضع رؤاهم فى المخرجات النهائية التى بلغت حوالي 993 مخرجة!
وعلى ذلك فان السودانيون فى واقع الامر يرقدون على تل هائل من التراث السياسي السلمي المبني على المجادلة بالحسنى والتحاور واحترام الرأي الآخر. والغريب ان السودانيون يبدعون ويبلغون غاية تجلياتهم حينما يجلسون فيما بينهم دون وسطاء. وهو ما ظل يثير استغرااب الكثير من دول الجوار والمحيط الاقليمي والدولي، اذ ان الفرقاء السودانيين ينفردون بميزات نادرة اذا جلسوا لمناقشة قضاياهم وهو ما أهلهم لانجاز تسويات سياسية اقليمية مهمة عجز عنها الاقليم والمحلي والدولي، كما حدث فى النزاع الجنوبي الجنوبي الذى تم إنهاؤه بأيدي سودانية و بذات خبرة ادارة الحوارالسوداني والنزاع فى افريقيا الوسطى.
فاذا كان الامرة كذلك فان الوضع الراهن الآن في السودان وكما دعا الرئيس البشير فى خطابه عشية 22 فبراير الماضي لا مجال فيه لحلحة الازمة الا بالحوار. فقد دعا الرئيس البشير الكل دون شروط مسبقة ودون استثناء للتحاور. بل ونشط الرئيس شخصياً فى الالتقاء بالعديد من قادة القوى السياسية كما حدثت لقاءات رئاسية مع حملة السلاح مثل جبريل ابراهيم  قطعت المحادثات شوطاً كبيراً من المؤمل ان تقود الى لقاء واسع فى المرحلة القريبة المقبلة لوضع اطار استراتيجي للحل الشامل.
ولا شك ان هناك معطيات ايجابية جيدة فى الوضع الراهن في السودان، فقد بدا واضحاً: أولاً، ألاّ مجال للغلبة لأحد. ثانياً، ان قضايا السودان مزمنة و متوارثة ولا يمكن حصرها فى نظام حكم بعينه. ثالثاً، ان المتغيرات فى شتى المجالات تستلزم نظراً مختلفاً لطبيعة القضايا. رابعاً، إن تجربة الحروب وحمل السلاح أكدت انها غير مفيدة لكونها تفتح الباب للتدخل الخارجي وتطيح بلُحمة التماسك.
هذه المعطيات الحاضرة فى أذهان الجميع التى تزيد من ضرورات الحوار وضرورات التمسك به، حيث لم يعد ممكناً اسقاط نظام حكم تم الشروع فى التأسيس لنظام جيد دون الاستفادة من عظات ودروس التاريخ، كما لا يمكن ان يتم اقصاء احد مهما كان دوره، لان الوطن للجميع ويسع الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق