الخميس، 21 مارس 2019

زوايا المشهد السوداني

ينفتح المشهد السوداني على وقائع تزداد رسوخاً بشكل تدريجي لكنه ثابت، ومن أبرزها عزلة التنظيم الإسلامي وتلاشي نفوذه وسطوته القديمة سواء كان ذلك على مستوى المجتمع أو على مستوى تسلله المتشعب والمعقد داخل أروقة السلطة ومؤسسات الدولة السياسية والأمنية و الاقتصادية.
فبعد قرار الرئيس عمر البشير التخلي عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني الذي يتخندق خلفه التيار الإخواني المتشدد، بات من الواضح أن قرارات رئاسية تالية ستأتي تباعاً لتحرم التنظيم الأكثر نفوذاً من مصادر تمويله ومواقعه المميزة داخل الهيئات الأمنية والعسكرية وتحاصر أذرعه الممتدة في مؤسسات الحكومة والمجتمع.
وطوال الأسابيع الماضية تواترت تصريحات قادة التنظيم وهي تتحدث عن مصير مجهول يهدد مستقبل بقائهم في الواقع السياسي، واشتكت قيادات التنظيم من مخططات لعزلهم وإقصائهم وحصارهم ومطاردتهم، وتحدث آخرون عن تذويب الحزب نفسه وإنشاء حزب جديد.
باختصار كانت التصريحات تمثل نعياً رسمياً للتنظيم. ولم تهتم مؤسسة الرئاسة كثيراً بالرد على تصريحات القيادات الإخوانية ولا سعت لتطمينها بشأن الترتيبات المستقبلية المرتقبة. بل جاءت التصريحات التالية لتعمق مخاوف قادة التنظيم الإخواني، وقال الرئيس المكلف لحزب المؤتمر الوطني أحمد هارون إن ابتعاد البشير عن الحزب ليس مناورة سياسية بل هو خطوة لصالح الشعب السوداني.
والأمر الواضح الآن أن حزب المؤتمر الوطني الذي يمثل كتلة التنظيم الإخواني وبؤرة نشاطه ونفوذه وتأثيره يتراجع ويختفي بشكل تدريجي وثابت، وفي المقابل يبرز تحالف الحرية والتغيير ليملأ الفراغ ويكتسب أهمية سياسية وتتعاظم شعبيته وسط المجتمع السوداني بشكل تدريجي وثابت. وتحالف الحرية والتغيير هو عبارة عن مظلة تضم طيفاً واسعاً من النقابات المهنية والأحزاب السياسية والجماعات المسلحة وهو القوة الدافعة وراء الحراك الشعبي الذي ينتظم المدن السودانية ويبقي الأزمة السياسية والاقتصادية في دائرة الضوء.
تراجع حزب الإسلاميين وفصل شرايينه وأوردته عن السلطة ومؤسساتها يبقي المشهد السوداني حيوياً وتتحرك فيه ثلاث قوى رئيسية هي تحالف الحرية ومؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية الرسمية.
وتأسيساً على هذا الواقع الجديد فقد أصبح الحزب الإخواني خارج حسابات التدابير المستقبلية ليس على صعيد الداخل فحسب، ولكن حتى القوى الإقليمية والدولية أسقطت الحزب من حساباتها وأعادت ضبط توصيلتها باتجاه أقطاب الأزمة الرئيسية الثلاثة «تحالف التغيير+ مؤسسة الرئاسة + الجيش». ويبذل الوسطاء الدوليون والإقليميون جهودهم للتوصل إلى تفاهمات وحلول مرضية للأزمة.
وفي إطار المقاربات الدولية فقد زار الخرطوم خلال الأيام الماضية رئيس لجنة الحريات بالكونجرس الأمريكي وتحدث في ختام زيارته عن ضرورات الحوار وأهمية الانتقال السياسي كخطوة أساسية لحل الأزمة. كما زار مبعوث روسي رفيع العاصمة السودانية من دون أن يفصح عن نتائج زيارته.
ويجري المعهد الملكي البريطاني للعلاقات الدولية سلسلة اجتماعات مع أطراف حكومية ومعارضة في إطار مبادرة جديدة تهدف إلى التوصل إلى رؤية مشتركة لحل الأزمة السياسية والاقتصادية في السودان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق