الخميس، 28 مارس 2019

الحركات المسلحة ومعسكرات النازحين ما بين السالب والموجب!

المتتبع لجهود الحكومة السودانية بشأن معالجة قضايا النزوح فى اقليم دارفور لابد له ان يلمس بعض الجهود الجيدة فى هذا الصدد، فعوضاً عن ان الدعوات المستمرة للعودة التى ظلت الحكومة السودانية تواظب علي اطلاقها، فان الحكومة تمكنت من إدماج بعض النازحين ومعسكراتهم فى المجتمعات المستضيفة.
و ذلك عن طريق تخطيط القرى والمدن السكنية و إعداد السكن اللائق بما جعل هذه المعسكرات بمثابة امتدادات طبيعية للمدن كما حدث فعلاً فى معسكر أبو شوك فى ولاية شمال دارفور ومعسكر (قارسيلا) بوسط دارفور ومعسكر (فوربرنقا) فى ولاية غرب دارفور إذ ان هذه التجارب عملية و تجارب واعدة وذات مردود اجتماعي ملموس فى تلك الانحاء حققت بالفعل عنصر الادماج المطلوب فى وقت وجيز للغاية.
ولا شك ان عبارة العودة الطوعية فى البدايات الاولى للنزوح  كانت من العبارات المستهجنة من قبل النازحين، بل ان بعضهم يتخذها وسيلة للعراك ولو قيلت على سبيل المزاح غير انه وبمرور الزمن وبسبب التحولات الفعية على الارض فان الامور تغيرت، خاصة بعد ان بدأت حركة عبدالواحد تتلقى هزائم متوالية ويتراجع عنفوانها وتفقد نفوذها تباعاً، ومن ثم بدأت عناصر الحركة تخرج من بعض المعسكرات هرباً من الاصطدام بالعناصر الحكومية.
 كما ان شدة تعنت حركة عبدالواحد ورفضها المتكرر للتفاوض جعل العديد من النازحين بحكم انسدد الافق امامهم ينفضّون من حول الحركة وتغيرت موافقهم ورؤاهم، بل ان بعضهم أوقف مساهماته المالية لدعم الحركة!
وقد تأثرت معسكرات النازحين بالعديد من الممارسات السالبة التى مارسها بعض قادة المنظمات الانسانية حيث استوعبت هذه المنظمات بعض ابناء دارفور الحائزين على قسط جيد من التعليم وتدرجوا فى وظائفهم المريحة هذه وبلغوا فيها شأواً عظيماً واصبح بامكانهم التحرك و التجوال فى انحاء عديدة من الاقليم داخل المعسكرات ومن ثم تحسنت اوضاعهم المادية – جراء هذه الوظئاف – وبعضهم بلغ درجة الثراء بسبب المرتبات العالية بالعملة الاجنبية، فقد كان لهؤلاء الشباب أثر كبير فى التحريض السالب ضد العودة الطوعية لان من الطبيعي ان يكون همهم استمرار عملهم واستمرار وجود هذه المعسكرات.
وهناك ايضاً بعض الفئات التى صارت وسيطاً بين المنظمات وسكان المعسكرات والحكومة وهي أيضاً مدفوعة بمصالحها الخاصة فى استمرار معسكرات النازحين.
وتشير بحوث ودراسات جرت في هذا الصدد ان الولاءات التقليدية فى دارفور تبدلت بعض الشيء من الولاءت للعمد والمشايخ ونظار القبائل التى آخرين يتولون ادارة المعسكرات وهو ما يعرف برؤساء ومشايخ المعسكرات, هي طبقة جديدة استحدثتها معسكرات النازحين بفعل الحاجة الى وسطاء وهؤلاء -للاسف- اصبحوا يتبعون عبد الواحد محمد نور ينفذون أوامره المالية ويحكمون سيطرتهم على سكان المعسكرات.
اذن هناك جهود حكومية ملموسة لتفكيك المعسكرات وإدماج ساكنيها فى المجتمع المستضيف ولكن تظل ممارسات الحركات المسلحة وحركة عبد الواحد على وجه الخصوص حجر عثرة امام امكانية اتمام عمليات التفكيك و اعادة الامور الى سابق عهدها الطبيعي كما ان قلة الموارد المحلية سواء الحكومة الولائية او حتى على المستوى الاتحادي من شأنه إبطاء عملية اعادة الدمج والتفكيك ويظل الدعم الاقليمي والدولي عاملا مهماً فى هذا الصدد لتمكين الحكومة السودانية من انجاز هذ الهدف الاستراتيجي المهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق