الخميس، 10 سبتمبر 2015

قرار مجلس السلم الإفريقي الأخير.. لغز سياسي محير!

بغض النظر عن أهداف وغايات مجلس الأمن والسلم الإفريقي من وراء قراره الأخير الذي ألزم فيه الحكومة السودانية بانجاز عملية سلمية شاملة في غضون 90 يوماً، بصرف النظر عما إذا كان المجلس باستطاعته فرض قراراته هذي ووضعها موضع التنفيذ في خاتمة المطاف؛ فإن الملفت للنظر في هذا الصدد أن مجلس السلم الإفريقي -بقراره هذا- بدا مقلداً بل وتجاوز حتى حدود التقليد والمحاكاة لمجلس الأمن الدولي، ذلك على الرغم من أن قرارات مجلس الأمن الدولي رغماً عن كل شيء، في الغالب تسبقها مشاورات وصياغات وتحرص بعض القوى الدولية على أن تأتي متوازنة ومحققة لمصالح العديد من الأطراف.
وما يلاحظ على قرار مجلس السلم الإفريقي الأخير: أولاً، أنه لم يأخذ بعين الاعتبار تاريخ الخطوات العملية العديدة المتخذة بشأن حل الصراع في إقليم دارفور (إتفاقية الدوحة) وجنوب كردفان والنيل الأزرق (مفاوضات أديس أبابا)، بل إن مجلس السلم -للغرائب والمفارقات- كان ولا يزال لصيقاً باتفاقية الدوحة التي وضعت كأنموذج لا مطعن عليه لحل أزمة دارفور كما كان ولا يزال لصيقاً وطرفاً جوهرياً في مفاوضات المنطقتين بأديس أبابا وهي مفاوضات تأسست على قرار صادر من مجلس الأمن الدولي.
تعثر مفاوضات المنطقتين لا يحتاج مجلس السلم لمن يحدثه عن الطرف المتسبب فيها إلا إذا كان المجلس يعاني من حالة النسيان. أما اتفاقية الدوحة فهي أسست لعملية سلمية قابلة لاستيعاب بقية الحركات الدارفورية أللهم إلا إذا كان مجلس السلم (لا يعترف) باتفاقية الدوحة.
ثانياً، فيما يتعلق بالقوى السياسية المعارضة، فإن أطروحة الحوار الوطني مهما كانت المآخذ عليها ومهما كانت سلبياتها وايجابياتها فإن أحداً لا ينكر أنها أطروحة طرحتها الحكومة السودانية ورعتها بنفسها ودعت إليها الآخرين بل وتحدد العاشر من أكتوبر المقبل موعداً لقيام فعاليات الحوار؛ هل من المنطقي والموضوعي القفز فوق كل هذه الحقائق والوقائع وإصدار قرار أشبه بقرارات (القضاء المستعجل) وكأن السودان ظل غارقاً في أزماته دون أي حلول أو مقترحات!
ثالثاً، قرارات مجلس السلم كان واضحاً أنها تعبر عن وجهة نظر خاصة بقوى المعارضة! مجلس السلم لم يفعل سوى أن قام عملية (نسخ) لوجهة نظر كل القوى المسلحة واعتبرها هي الأصوب من جهة نظره هو، ومن ثم أسس عليها قراره.
ولا شك أنه بموقفه هذا ليس بوسعه أن يصبح طرفاً موضوعياً، فتجربة العملية السلمية في السودان واضحة، هناك قوى معارضة ليس لها أي وزن ولكنها ذا صوت عالي، وهناك قوى معارضة مسلحة غرقت في مقاولات حربية، تمارس العمل المسلح بمقابل مادي لصالح بعض دول الجوار.
قوى بهذه الصفات لن تكون حريصة على حلول سلمية حقيقية ولا يمكن أن تفوت أمور كهذه على فطنة قادة ومسئولي مجلس السلم الإفريقي.
رابعاً، يدرك الكل -بما في ذلك أعضاء مجلس السلم- أن الحكومة السودانية سبق لها وأن أنجزت اتفاقية السلام الشاملة في نيفاشا 2005 من أول سطر حتى آخر سطر بما في ذلك تسليم وتسلم دولة جنوب السودان كاملة غير منقوصة إلى الحركة الشعبية عقب عملية الاستفتاء. ألا تكفي هذه التجربة الفريدة وحدها دليلاً على رغبة الحكومة السودانية وقوة إرادتها في إنهاء الأزمة السودانية؟
على كل فإن مجلس السلم الإفريقي لا يملك أكثر من إصدار قرار كهذا طالما أنه قرر مسايرة قوى المعارضة لأسباب يعرفها، ولكنه بالمقابل وضع هيبته على المحك وهو يغامر بتجاهل خطوات الحكومة السودانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق