الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

الفصل الجديد من صراع البشير مع الجنائية

عادة ما تواجه رحلات الرئيس السوداني عمر البشير خارج البلاد جدلاً واسعاً، وتكون عرضة لمخاطر عدة، منها الخطف وإيقافه من قبل المحكمة الجنائية الدولية، والتي أصدرت مذكرة توقيف بحقه في عام 2009، واتهمته بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في إقليم دارفور.
وظلّت الجنائية تُلاحق جميع الدول التي يزورها البشير، سواء الموقّعة على ميثاق المحكمة أو غير الموقّعة، للقبض عليه وتسليمه إليها. ومع انتهاء زيارته الأخيرة إلى الصين، والتي شارك خلالها في احتفالات النصر على اليابان، انتقدت الإدارة الأميركية الصين لدعوة البشير، وجددت معارضتها الدعوة أو تسهيل سفر أفراد ملاحقين من الجنائية. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر، إن "بلاده لا تزال تعتقد أنه لا يجب الترحيب بسفر البشير حتى يواجه العدالة".
في المقابل، قلّلت الصين من الانتقاد الأميركي، وأكدت سلامة موقفها باستضافة البشير، وعدّته "أمراً منطقياً وعادلاً". وتساءلت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا شون ينغ، عن "المفارقة في الاعتراض على دعوة زعيم مطلوب بتهمة ارتكاب جرائم حرب، في حين يرتكب الكثير من جرائم الحرب في النزاعات في آسيا وأوروبا". ومنذ إعلان المحكمة الجنائية قرار توقيف الرئيس السوداني قلّص الأخير رحلاته الخارجية لينوب عنه نوابه، كذلك أُخضعت سفراته إلى معايير أكثر دقة.
ويقول مصدر في الخارجية لـ"العربي الجديد" إن "معظم سفرات البشير تتمّ من القصر الرئاسي، ولا يكون لوزارة الخارجية علاقة بها، باستثناء تلك التي يشارك فيها وزير الخارجية ضمن طاقم الوفد المرافق"، ويؤكد أن "الترتيب لأي جولة خارجية يخضع لتحضيرات أمنية كبيرة".
اقرأ أيضاً: السودان.. الانقلاب والفساد المؤسس
ويوضح أن "أي دعوة للبشير عادة ما تخضع لدراسة من قبل لجنة متخصصة، تدرس الملف من كافة النواحي، لتتخذ بعدها قراراً بالسفر من عدمه، وفقاً للمحاذير الأمنية التي قد تظهر". وأضاف أن "هناك دولاً استُبعدت تماماً من خارطة السفر، وأي دعوة تصل منها للبشير يتمّ تحويلها إلى نواب الرئيس، كأوغندا وجنوب السودان".
ويلفت إلى أنه "عادة ما توضع خطط بديلة عند أي جولة خارجية، لا سيما تلك التي تتطلّب أذونات لعبور الأجواء". وكشف أن "هناك خططاً بديلة في حال امتنعت دولة ما، في اللحظة الأخيرة، عن السماح لطائرة الرئيس عبور أراضيها، كما حدث خلال زيارة سابقة إلى الصين في عام 2011، حين امتنعت تركمنستان عن السماح لطائرة البشير بالعبور في آخر لحظة، على الرغم من منحها الإذن في البداية". لكن مصادر أخرى أكدت أن "الرئيس يتخذ قرار السفر بنفسه من دون أن يأذن لأحد بالتدخل فيه".
ويرى مراقبون في سفر البشير إلى الصين بمثابة "تحدٍّ للمحكمة الجنائية الدولية، وردّ اعتبارٍ له"، لا سيما بعد تحرّكات المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا داخل مجلس الأمن، ومحاولاتها استصدار قرار بحظر "الفيتو" (حقّ النقض) في التهم المُتعلقة بالإبادة الجماعية. بالإضافة إلى سعيها أثناء زيارتها جنوب أفريقيا، والتي وصلتها بالتزامن مع زيارة البشير في يونيو/حزيران الماضي، إلى تحريك المنظمات المدنية في جوهانسبيرغ للضغط على الحكومة واعتقال الرئيس السوداني.
ويقول المحلل السياسي الطيب أحمد لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ إعلان قرار الجنائية بحق البشير في عام 2009، عمد الرئيس السوداني إلى إظهار تحديه وانتصاره عليها". ويضيف "وهو ما يفسر تمسكه بالسفر إلى دول قد يُحرجه السفر إليها أو يتعرّض للاختطاف والقبض عليه وتسليمه للجنائية".
ويتابع أحمد "سفر الرئيس إلى الصين أخيراً لا خطورة فيه، باعتبار أنه من الصعب أن تتخذ بكين قراراً بتسليم البشير نظراً للمصالح الصينية في الخرطوم، فضلاً عن تنافسها مع الولايات المتحدة"، معتبراً أن "طائرة البشير تُحلّق في دول لم يُعرف عنها الاختطاف كما الدول الأوروبية، والتي سبق أن اختطفت أحد قادة المقاومة الفلسطينية".
وقاد السودان تحرّكات ضد المحكمة الجنائية داخل الاتحاد الأفريقي، نجح معها في انتزاع قرار منه بـ"عدم التعامل مع الجنائية"، على الرغم من أن 43 دولة أفريقية وقعت على "اتفاقية روما" المؤسسة للمحكمة الجنائية. ويُنتظر أن يدفع الأفارقة خلال هذا الشهر بمذكرة إلى مجلس الأمن الدولي، عبر لجنة من خمسة دول بينها السودان لتوضيح موقف القارة حيال التعامل مع المحكمة الجنائية.
وحذّر مسؤول إدارة التعاون الدولي في الخارجية السودانية سراج الدين حامد، من تجاهل تحرّكات بنسودا، في ما يتعلق بحظر استخدام حقّ النقض في قضايا الإبادة الجماعية، وهي التهمة التي وجّهتها المحكمة إلى البشير". وأشار إلى أنها "نجحت في عقد جلسة غير رسمية لمجلس الأمن لمناقشة تلك الخطوة".
وحثّ حامد في ورقة قدّمها إلى مجلس الشؤون الخارجية، يوم الثلاثاء، الحكومة على "التعامل مع المحكمة الجنائية". وأكد أنها "ما زالت لديها فرصة لمناهضة قرار مجلس الأمن، والذي أحال بموجبه ملف دارفور إلى محكمة لاهاي". ولفت إلى "ضرورة عدم التقليل من شأن المحكمة وتهوينها والسعي جدياً لدحض شهادة 83 سودانياً، شهدوا ضد الرئيس تحت إغراءات المحكمة". وقد أثّر قرار المحكمة الجنائية خلال السنوات الست الماضية على تحركات البشير الخارجية، واقتصر سفره على البلدان العربية والأفريقية فقط.
ووفقاً لمصادر حكومية، فقد سبق أن تمّ إلغاء عدد من الرحلات الخارجية منها لأسباب أمنية، وأخرى بسبب رفض بعض الدول مرور طائرة الرئيس في أجوائها. وكان آخرها سفره إلى إندونيسيا للمشاركة في قمة عدم الانحياز.
وتحدّى البشير المحكمة الجنائية حين زار كلاً من تشاد في يوليو/تموز 2010 وكينيا في أغسطس/آب 2010، وجيبوتي في مايو/أيار 2011، ثم نيجريا في عام 2013 وأخيراً جنوب أفريقيا في العام الحالي. وقد اضطر للانسحاب في كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا، قبل إكمال مهمته، بعد تحرّكات المنظمات المحلية للقبض عليه وإسداء حكومات تلك البلدان نصائح له بالمغادرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق