الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

السودان بين إكراهات الوصاية واستحقاقات التسوية (3-3)

مهما يكن من أمر فإن الاتحاد الإفريقي لم يعد مجرد وسيط في الأزمة السودانية وقد اكتسب "مشروعية تدخل" أسبغتها عليه الحكومة السودانية نفسها وهي تستظل بمظنة تخفيف التدخل الدولي، وهو دور تعاظم منذ العام 2004 حين أرسلت المنظمة لإفريقية فريق خبراء محدود لمراقبة وقف إطلاق لنار، ثم تمدد لتدخل عسكري قوامه سبعة آلاف جندي، ثم ارتدى لبوس القبعات الأممية الزرقاء تحت لافتة القوات المشتركة متوسعاً بعشرات الآلاف من الجند، ومثلما ارتضت الخرطوم ذلك الدور، وكما احتفت بالحماية الإفريقية في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية، فإنها ببساطة لا تستطيع انتقاء الدور الذي يناسبها فقط، وهي في غنى عن الدخول في مواجهة مع محيطها القاري وهي لا تزال تعاني من عزلة دولية خانقة.
وموقف الحكومة الرافض للتجاوب مع مقترحات مجلس السلم والأمن الإفريقي لتوفير الشروط الموضوعية لـ "حوار وطني" ذي "شفافية ومصداقية وجدية" نحو ما تكرر في متن القرار عبر جولة تمهيدية إجرائية، يفتقر للمنطق، فلا يمكن أن تتذكر فجأة أن الدور الخارجي خط أحمر مرفوض هكذا بعد كل هذه السنوات من التطبيع مع التدخلات الأجنبية في الشأن السوداني، وإدمان التفاوض الخارجي، ورتل الاتفاقيات التي وقعتها في العديد من العواصم، وإلا كان عليها أن تحاسب نفسها وتتحمل مسؤولية تدويل أزمات السودان إذا اكتشفت الآن فقط أن ذلك خطأ، لسبب بسيط أن الحكومة الحالية تستمد مشروعية سلطتها على الأقل في السنوات العشر الماضية من اتفاقية نيفاشا التي هندستها إرادة خارجية بالكامل.
الأمر الثاني أن المؤتمر التحضيري محل الخلاف كان محل توافق بين الأطراف السودانية نفسها، وقد انخرطت الحكومة في جولتين على الأقل للتفاوض بشأن الترتيبات الأمنية والإجرائية التمهيدية، وبالتالي فليس هناك أصلاً من طالب بـ "حوار وطني" يجري في الخارج نحو ما تحاول الحكومة الإيحاء بأنها ترفضه لذلك السبب، اللهم إلا إذا كان ذلك بغرض التحلل من التزام الدخول في حوار جدي يفضي إلى تغيير حالة الأمر الواقع الراهنة، واستبداله بحوار شكلي في غياب الأطراف المعنية، فالحوار لا يعني شيئاً إلا إذا كان بين طرفي نقيض بغرض التوصل لتوافق، أما النقاش مع شركائك في المعسكر نفسه فليس سوى تعزية للذات لن ينتج حلاً. فالحكومة لن تخسر شيئاً بعقد هذا الملتقى التحضيري إن كانت جادة في المضي قدماً بمبادرتها للحوار، ولا يمكن للتذرع بخلاف إجرائي فرعي أن يكون سبباً في إضاعة هذا الفرصة لتسوية تاريخية.
ولعل هذه الفقرة في بيان الاتحاد الإفريقي ذات مغزى خاص على الخرطوم أن تضعه في اعتبارها وهي تتخذ قرارها "يؤكد على أهمية القارة والإقليم في حل الأزمة ، والمسؤولية الخاصة التي تقع على عاتق الحكومة السودانية لأخذ المبادرة في ضمان عقد حوار وطني جاد وحقيقي وشامل وتحول ديمقراطي في البلاد" . والمعنى واضح أن تعنت الحكومة السودانية في التجاوب مع هذه المطلوبات الموضوعية سيضعها في مواجهة حتمية مع السند الخارجي الوحيد الذي تتكئ عليه.
والمسؤولية تمتد أيضاً للمعارضة فهذه ليست لعبة لتسجيل أهداف في مرمى الحكومة، بل عليها أيضاً تقديم تنازلات ضرورية وإبداء مرونة لازمة عند بحث أجندة الترتيبات التحضيرية، بحيث تكون أيضاً جادة في تلبية ما يليها من استحقاقات الحوار وتهيئة بيئة التوصل إلى تسوية تاريخية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق