الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

المصالح الخاصة وعدم المسئولية السياسية!

لا شك إن أية اتفاقية تأتي ببنود معينة وترتيبات محدودة تستلزم بالمقابل -من كلا الطرفين- إلتزاماً أخلاقياً بإحترامها واحترام حتى المناخ المحيط بها ولو بدا في بعض الأحيان صعباً وحالكاً.
إتفاقية الدوحة الخاصة بإقليم دارفور التي بموجبها دخلت حركة التحرير والعدالة إلى رحاب العملية السلمية وتكونت على إثرها السلطة الإقليمية التي يترأسها الدكتور التجاني السيسي هي اتفاقية لم يستطع أكثر المتشائمين والرافضين لها من قادة الحركات الدارفورية المسلحة أن يأخذ عليها ولو مأخذاً واحداً، أو ينتقدها ولو في جزء من جزء فيها.
إتفاقية أعطت أهل دارفور كامل حقوقهم في التنمية والأعمار والعدالة الانتقالية بحيث بات من الصعب إن لم يكن من المستحيل تماماً إجتراح أي اتفاقية خاصة بدارفور مستقبلاً تأتي بما لم تأت به إتفاقية الدوحة. هذا من حيث النظر، أما من حيث الواقع العملي فيكفي أن أياً من أطراف الاتفاقية -حتى هذه اللحظة- لم يشكو قط من مماطلة أو تسويف أو حتى خطأ في التطبيق من قبل الحكومة السودانية، ولعل اسطع دليل براءة أضاء كما الشمس في رابعة النهار على أن الحكومة السودانية عملت على تنفيذ الاتفاقية بحذافيرها، أنّ الطرف الموقع على الاتفاقية وهي (حركة التحرير والعدالة) وجراء صراع داخلي فيما بينها أفشلت اجتماعاً جري تنفيذه لفرز عطاءات ما يجاوز الـ262 مشروع خدمي وتنموي يجري تنفيذه في إقليم دارفور! إذ بغض النظر عن أسباب الصراع الداخلي بين فرقاء حركة التحرير والعدالة، فإن حركة التحرير والعدالة -لمفارقات وسخريات القدر- بدت هي الطرف (المعوق) للإتفاقية وإن ما وقع من بعض منسوبيها في إطار هذا الصراع الداخلي المؤسف بفندق السلام روتانا مؤخراً للدرجة التي أضطرت الحكومة معها لإلغاء الاحتفال يعتبر بمثابة نقطة سالبة تحسب ضد الطرف الموقع على الاتفاقية وهو حركة التحرير والعدالة.
وبالتأكيد نستخلص من هذه الواقعة أن الحركات الدارفورية في غالب الأحيان تفشل في إدارة خلافاتها بما يحول دون إفسادها لمصالح إقليم دارفور، كما تستخلص أيضاً أن غالب قادة هذه الحركات باتوا يهتمون فقط (بمصالحهم الخاصة) بأكثر منا يهتمون بتنمية واصلاح وأعمار الإقليم ونستخلص ثالثاً -وهو الأهم- أن هناك غياب للنضج السياسي ومقتضيات الاحتمال وأدب الاختلاف والتضحية من أجل مستقبل أهل الإقليم، إذ أن المفارقة بمكان أن يحمل ثائر من دارفور السلاح لمظالم يدعيها ويزعم أنها حاقت بأهل الإقليم ويسعى للتضحية -بالحديد والنار- لصالح هذه المظالم، ولكنه في المقابل لا يقوى على (التضحية) بإحتمال الرأي الآخر ولا يعرف معنى (التضحية) لصالح الإقليم ومستقبله حين يكون في موضع المسئولية.
إن الصراع والمظهر المخزي الذي ظهرت به حركة التحرير والعدالة -أمام الدنيا بأسرها- في فندق السلام روتانا هو وجه من أوجه (تصفية الحسابات الخاصة) بين القادة، ولا شك أن المسئول المتهم بأدلة قاطعة بأنه وراء ما حدث، أثبت بجلاء أنه (غير مسئول) البتة، خاصة وأن المسئولية الوزارية التي يتولاها تُعنى بالإنسان، وقد سعى الرجل لتفويت الفرصة على أهله في دارفور من الخدمات والتنمية لا لشيء سوى لكي ينتصر لنفسه! الآن الرجل خسر مرتين، مرة حين فقد ثقة الآخرين به إلى الأبد، ومرة حين بات عليه أن يدفع ثمن (حساباته الخاصة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق