الأحد، 4 سبتمبر 2016

بيدي، لا بيد الحكومة السودانية!

بوعي أو بغير وعي لخّص الناشط الدارفوري أحمد حسين آدم أزمة المعارضة السودانية بكاملها، حين قال في مقال له نشرته صحيفة القدس العربي يوم 18/8/2016م (إن المعارضة منقسمة وعاجزة عن صناعة البديل المناسب للنظام بالذي يجعل
الشعب السوداني بكل مكوناته يتلف حولها)!
 الرجل وفي لحظة تاريخية فارقة لخص كل الأزمة ووضع إصبع قلمه على الداء. و بالطبع لسنا هنا للاحتفاء بهذا الاعتراف الذي يقرر واقعاً ماثلاً. مثل هذه الاعترافات بديهية لكل من يتابع الشأن السياسي السوداني، ولكن بالمقابل فإن هذه المقولة في وجهها الآخر تثير عدة تساؤلات فيما يخص الحكومة السودانية ومواقفها ومعاناتها التى لا تنتهي مع المجتمع الدولي.
 ما ذنب حكومة لها قاعدة شعبية معتبرة، وليس لها بديل سياسي موازي محتمل؟ نقول ذلك لأن القوى الدولية التى تتابع الملف السوداني، لا تفعل شيئاً سوى أنها تتحامل على الحكومة السودانية وقد تجلي هذا التحامل في أشياء عديدة طوال أكثر من ربع قرن من الزمان.
 أكثر من 20 قراراً من مجلس الأمن! عقوبات اقتصادية أمريكية أحادية الجانب منذ 20 عاماً ألقت بظلال سالبة حتى على المعارضة (المدعومة خارجياً) نفسها! قرارات وتدابير من مجلس حقوق الإنسان أعاقت تماماً قدرة السودان على إحداث نهضة قانونية ترسخ لبناء دولة.
مذاكرات توقيف من محكمة الجنايات الدولية تستهدف كبار مسئولي الدولة وتسيء لسمعة السودان. قوات دولية يفوق عددها 16 ألف تمارس (بطالة) على إقليم دارفور، وتهدر الدولارات من المال الدولي الذي يجب أن يوجه لمواجهة قضايا خدمية وتنموية دولية ملحة.
من الواضح أن القوى الدولية التى تجتهد في ملاحقة الحكومة لا تفعل ذلك (لمزاج سياسي خاص)؛ هي تفعل ذلك لدفع قوى المعارضة لكي تكون بديلاً للحكومة أو رديفة لها في مقعد القيادة حتى يتسنى لها –في الوقت المناسب– تمرير أهدافها وتنفيذ إستراتيجيتها لبلوغ مصالحها.
 المدهش في الأمر أن الحكومة السودانية وفي مواجهة كل هذه التدابير القسرية الصعبة، ما تزال راسخة الأقدام، في حين إن قوى المعارضة (منقسمة وضعيفة ولا تصلح لكي تكون بديلاً)! أو كما قال أحمد حسين آدم. و الأكثر إثارة للدهشة، أن الحكومة السودانية مارست أقص درجات المرونة فيما تطلبه القوى الدولية (لصالح القوى المعارضة) وتتعامل بواقعية وعقلانية مع ما يعرض عليها.
 فعلت ذلك في نيفاشا 2005 من أجل إنهاء أطول حرب أهلية في أفريقيا وقبلت منح الجنوب حق تقرير مصيره. فعلت ذلك في منبر الدوحة 2012 لصالح حلحلة أزمة دارفور. قبلت مفاوضات أديس أبابا مع الحركة الشعبية قطاع الشمال التى صدر بشأنها -لغرائب ومفارقات السياسة- قرار دولي صادر عن مجلس الأمن الدولي وهو القرار 2546 ! وبادرت -من حر مالها السياسي الخاص- بطرح مشروع الحوار الوطني (يناير 2014) وعقدت جلسات الحوار داخل الخرطوم وحضر تلك الجلسات بعض النشطاء والمعارضين الحاملين للسلاح.
جاءا وعادوا بكلمة وضمان أحادي الجانب من الحكومة. ثم قبلت الحكومة خارطة الطريق (مارس 2016) في أديس أبابا التى ألزمتها بوقف إطلاق النار والتفاوض مع قطاع الشمال وحركات دارفور للوصول لحل سياسي شامل.
ما الذي إذن تعنتت حيال الحكومة؟ ما الذي يمكن أن تلام عليه وهي تدير كل هذه الأزمة بهذا القدر من المرونة؟ وماذا بوسع أي قوى دولية مهما كان درجة غيظها وعداءها للسودان أن تفعل -أكثر من ما تم فعله بالفعل- لإضعافها أو إسقاطها؟
من المؤكد أن الجانبين، المجتمع الدولي من جهة، والقوى السودانية المعارضة المختلفة مسلحة وغير مسلحة من جهة أخرى، مطالبين بالتمعن في سلسلة التدابير والمغالطات والظلم الفادح الذي يمارس ضد الحكومة السودانية! إذ بدا واضحاً الآن أن الأزمة ليست أزمة حكومة، وإنما هي أزمة معارضة، أزمة قوى دولية لم تنجح كل إستراتيجيتها في الفصل بين الحكومة و شعبها ولو بمقدار ملمتر واحد!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق