الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016

الاتحاد الأوروبي في ورطة بسبب العلاقة مع الخرطوم

وكشف المفوض الأوروبي أن الحوار الرفيع المستوى بشأن الهجرة بين السودان والاتحاد الأوروبي تمّ خلال زيارة وزير الخارجية السوداني إلى بروكسل في منتصف فبراير الماضي"، ومضى قائلاً: "في ذلك الوقت، أعرب السيد غندور عن اهتمام
حكومته بالمشاركة في جهود معالجة الهجرة غير الشرعية، ومكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، واتخاذ تدابير لمنع العبور بشكل غير قانوني، كما أعرب عن انفتاح حكومته على العمل مع الاتحاد الأوروبي على العودة وإعادة القبول".
وقال ميميكا: "أنا مسرور جداً أن أزور الخرطوم لمناقشة كل هذا القضايا والإعلان عن حزمة شاملة لمعالجتها"، كاشفاً عن عدد من البرامج التنموية لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة واللجوء بتكلفة تزيد على مائة مليون يورو، وقال: "وسيكون التحدي الحقيقي في الأشهر القادمة هو تنفيذ هذه الحزمة"، وأضاف: "لقد وصلني الالتزام الراسخ من جانب السلطات السودانية لإزالة كافة العقبات وتسهيل وصول ومنح التأشيرات وتصاريح السفر للموظفين الدوليين العاملين في هذه المشروعات إلى المناطق التي سيتم تنفيذ مشاريع الاتحاد الأوروبي، أنا واثق من أننا يمكن أن نحقق نتائج سريعة لصالح شعب السودان".
وقال المفوض ميميكا: "إن الاتحاد الأوروبي يقيّم دور السودان على المستوى الإقليمي، ونشجّع المشاركة البنّاءة لا سيما في ليبيا ومع جنوب السودان، وأن مواصلة التقدّم في السياسة الخارجية للسودان يمكن أن تسهم في تحقيق السلام ومكافحة الإرهاب والتطرّف"، مضيفاً "أن الاتحاد الأوروبي والسودان أمامهم فرصة فريدة لدفع العلاقات المعقّدة في بعض الأحيان إلى الأمام"، وحرّر المفوض الأوروبي شهادة بأن "السودان الآن في طليعة الدول لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر في القرن الأفريقي".
إيراد هذه المقتطفات المطولة من مقال المسؤول الأوروبي الرفيع، التي تكشف عن حقيقة العلاقة والتعويل على الحكومة السودانية، كان ضرورياً لكشف تناقضات الاتحاد الأوروبي الذي حاول في بيانه المضطرب الإيحاء بأن الأمر لا يعدو أن يكون تقديم معونات عبر وكالات دولية، متجاهلاً تفاهماتها مع الحكومة السودانية، مع أن الاتحاد الأوروبي يضع على كاهل الخرطوم دوراً محورياً في مكافحة مشاغلها في مكافحة قضايا الهجرة والإرهاب والتطرّف يتعدى بكثير مجرّد الحديث عن معونات تنموية.
فمن الواضح أن الاتفاقات بين بروكسل والخرطوم تتضمّن في إطار هذا الملف جوانب عسكرية وأمنية لم يُكشف عنها بطبيعة الحال، وتبقى على الأقل دلالات اجتماع المفوض الأوروبي بوزير الدخلية السوداني الفريق أول ركن عصمت عبد الرحمن، وهي ليست المرة الأولى، فقد سبق لسفير الاتحاد الأوروبي السابق لدى الخرطوم توماس يوليشيني الاجتماع بوزير الداخلية في العاشر من يوليو من العام الماضي، وحسب بيان صادر عن بعثة الاتحاد الأوروبي بالخرطوم حينها، جاء فيه أن الاجتماع يأتي "قبل قمة الاتحاد الاوروبي وأفريقيا المتوقع عقدها في جزيرة مالطا يوم 11 نوفمبر القادم لمناقشة الهجرة والاتجار بالبشر، وأكد الاجتماع على الدعم الكامل من الاتحاد الأوروبي للجهود التي يقوم بها السودان لمكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية"، وشدّد سفير الاتحاد الأوروبي على أن التعاون في مجال الهجرة "قد يكون فرصة ونافذة مهمة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الاتحاد الأوروبي والسودان".
كما أكد سفير الاتحاد الأوروبي "أن الهدف الرئيسي والمباشر لأنشطة الاتحاد الأوروبي الحالية بشأن الهجرة هو الاهتمام بإنقاذ الأرواح ومنع استغلال المهاجرين". وفي هذا الصدد، أكد السفير توماس أن الاتحاد الأوروبي يتطلع لدعم ولتعزيز قدرات السلطات السودانية المكلّفة بمكافحة الاتجار بالبشر"، وأشار إلى أن هذا الدعم "يجب أن يكون مكملاً للمساعدات الإنمائية وخصوصا فيما يتعلق باللاجئين والنازحين والمجتمعات المضيفة". ورحّب وزير الداخلية السوداني بـ"دعم الاتحاد الأوروبي للسودان بشأن الهجرة، وأكد التزام الحكومة على التعاون الكامل مع الاتحاد الأوروبي بشأن هذه المسألة".
وكما هو واضح من تصريح سفير الاتحاد الأوروبي فإن بروكسل ملتزمة بدعم وتعزيز قدرات السلطات السودانية المكلفة بمكافحة الاتجار بالبشر، باعتباره مكمّلاً للمساعدات الإنمائية، وهو دليل آخر على اضطراب وتناقض البيان الأوروبي الذي حاول النأي عن تعهّداته للحكومة السودانية، وإنكار دورها.
لا شك أن الاتحاد الأوروبي تلقى هدفاً قاتلاً في مرماه حين ظنّ أنه يستطيع إدارة لعبته مع الحكومة السودانية دون أن يجد نفسه مضطراً لدفع أي ثمن سياسي لذلك، مستغلاً حصاره للخرطوم بسيف المحكمة الجنائية الدولية التي اتخذها وسيلة للضغط عليها لتمرير أجندته بلا مقابل، سوى وعود لم يثبت أبداً أنها ممكنة التحقيق، ومعولاً على تلهف السلطات السودانية لرفع الحصار وتطبيع علاقاتها مع المجتمع الدولي. لقد أفلحت الحكومة السودانية بذكاء في الالتفاف على الحصار الأوروبي الناعم مستغلة حاجتها الماسّة لمكافحة الهجرة التي تقض مضجعها.
ومن المؤكد فإن هذا البيان الذي كشف عن ورطة بروكسل لن يكون كافياً للخروج من هذا المأزق، ولن يكن بوسعها الخروج منها دون وضع مشاغل الطرفين على مائدة التفاوض، وأنه لن يمكن للاتحاد الأوروبي أن يبقي حصاره على الرئيس السوداني المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، يفرض عليه العزلة ويطلق يد التعاون مع حكومته، في الوقت الذي ينتظر أن تخدم له الحكومة السودانية أجندته بلا مقابل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق