الأحد، 4 سبتمبر 2016

قطاع الشمال .. إستراتجية الممكن وتكتيك المستحيل!

ليس خافياً على كل المتابعين للشأن السوداني أن أزمة ما باتت تعرف إعلامياً بـ(المنطقتين) وهما جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، لم تكن في حقيقتها في الواقع سوى أزمة سودانية معتادة لا تختلف عن أزمة الشرق ودارفور. وإذا أردنا توصيف أبلغ
، فإن هذه المناطق (الشرق، دارفور، جنوب كردفان، النيل الأزرق) لم تكن سوى ضحية لمحاولات ذات أبعاد تكتيكية استخدمتها الحركة الشعبية على أيام (جون قرنق) لإثارة الغبار في وجه المركز، ضمن سياق ما كانت تنادي به الحركة الشعبية في السابق وتطلق عليه (مشروع السودان الجديد)!
 هذه العبارة الجاذبة لبعض ساكني الأطراف، كانت (طعاماً سياسياً مسموماً) في واقع الأمر أعدته الحركة الشعبية سعياً منها لتطويق المركز والوسط السوداني بحزام من الغضب ونيران قابلة لإحراق المنطقة بأسرها. الحركة الشعبية فعلت ذلك أيضاً من بابا مكايدة المركز بتوسيع نطاق الأزمة حتى لا تنحصر في جنوب السودان من جهة؛ ولاستخدام هذه المناطق -عدة وعتاداً- والاستفادة منها في التكتيك القتالي حتى يجد المركز نفسه يقاتل أطرافه المختلفة في آن واحد، من جهة أخرى.
ولا نود هنا ولا نقصد التقليل من وزن وأهمية قضايا هذه المناطق، ولكن في الوقت نفسه فإن حقائق الواقع تؤكد أن الحركة الشعبية هي من تولت عملية (فتح هذه المسامات) وإشعال الحرائق لتطويق المركز وإجباره على الرضوخ لمطالبها.
حسناً، الحركة الشعبية بدا واضحاً رغم كل ذلك أنها كانت (تعمل لصالح نفسها وحدها) تستخدم الآخرين، تتحدث بلسانهم، تتحالف معهم، ولكن نصب عينيها إقليمها ومصالحها الخاصة. وبالفعل حين دنت ساعة الحقيقة، أخذت الحركة إقليمها وحدها تاركة وراءها (بعض اليتامى) في المنطقتين. وغنيّ عن القول هنا إن الحركة الشعبية تعمدت -بخبث ومكر واضح- ترك الفرقتين 9 و 10 وراءها ثم ما فتئت تقدم الدعم اللوجستي لهاتين الفرقتين وتعتبر قادة القطاع ضباطاً مرؤوسين لدى قادة الجيش الشعبيّ في جوبا.
 أي أن الحركة الشعبية (حلت مشكلتها الأساسية الخاصة بها) ثم شرعت في المعاونة على خلق (جنوب جديد) بذات مواصفات جنوبها نواته الأساسية الفرقتين 9 و 10 ! إذن هنا تكمن لعبة الحركة الشعبية قطاع الشمال. فهي:
أولاً، من المستحيل تماماً أن توافق على حل سياسي شامل ضمن سياق الحل السياسي الشامل لكل السودان. هي تريد حلاً على ذات غرار نيفاشا، وقع الحافر على الحافر! تريد جيشين، فترة انتقالية .
ثانياً، الحركة الشعبية قطاع الشمال بداهة- لا تملك أدنى إرادة سياسية بأي قدر للوصول إلى حل، فقادتها هم بالضرورة مرؤوسين ومن ثم مسئولين تنظيمياً وعسكرياً أمام قيادة الحركة الأم في جوبا، وهذه في الحقيقة هي مكن الأزمة وهي السبب الرئيس في موافقة الحركة على التفاوض، ومسايرة المجتمع الدولي، ثم وضع العراقيل أمام تفاصيل التفاوض حتى تنفضّ المفاوضات وتبدأ حلقة شريرة جديدة.
 التكتيك الذي تتبعه الحركة هنا واضح وبسيط، تكتيك شراء الوقت والمراهنة على إضعاف الحكومة، والتفاوض معها حين تبدو في اضعف حالاتها للحصول على مكاسب اكبر من مجرد حل سياسي شامل.
ثالثاً، الحركة الشعبية قطاع الشمال لا ترى في كل القوى السودانية الأخرى مسلحة أو سياسية شركاء لها في العملية السلمية، هذه الحقيقة بدت واضحة في مهاجمة ياسر عرمان، أمينها العام لحلفائه في حزب الأمة وتحديداً الدكتورة مريم الصادق.
 الرجل يدرك أن مشروع حركته لا يحتمل سواهم وقد سبق أن رأينا كيف رفضت الحركة رئاسة إحدى حركات دارفور للجبهة الثورية. مجمل القول إن الحركة الشعبية قطاع شمال لديها أجندتها الخاصة جداً، وهي تتطلع إلى ما هو أكبر من مجرد حل سياسي شامل لأن هذا لو حدث فإن الأوزان السياسية سوف تتضح، ورمال الممارسة السياسية اليومية في السودان ربما تبتلعها بسرعة ومن ثم يتبخر الأمل.
ولهذا فإن الأمل بشأن نجاح مفاوضات أديس أبابا مع الحركة الشعبية قطاع الشمال يظل متضائلاً جداً، لأنها حركة لا تعمل إلا لنفسها  وإن استخدمت الآخرين ممن يعتقدون أنهم حلفاء لها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق