الاثنين، 5 سبتمبر 2016

إدارة أوباما تبحث عن حل للسودان في الساعة الخامسة والعشرين

قُبيل أن يكمل الرئيس باراك أوباما عامه الأول في عهدته الرئاسية الأولى أعلن في منتصف أكتوبر 2009 استراتيجية إدارته تجاه السودان التي حملت عنواناً بدا حاسماً ومتفائلاً "سياسة الولايات
المتحدة الشاملة لإنهاء النزاع في السودان" . بعد أسابيع قليلة تمر سبع سنوات منذ الكشف عن تلك الاستراتيجية ويغادر أوباما البيت الأبيض بعد نحو أربعة أشهر تاركاً وراءه تركة مثقلة بالفشل في سودانين وليس سوداناً واحداً، وقد كان لُب سياسته تلك أن تفضي إما إلى سودان متحد في سلام واستقرار، أو إلى تقسيم البلاد بشكل منتظم نحو دولتين منفصلتين قابلتين للعيش في سلام داخلهما ومع بعضهما، والنتيجة المعلومة لذلك التقسيم هو بروز دولتين فاشلتين بامتياز في امتحان السلام والاستقرار في داخلهما ومع بعضهما.
وعندما أعلنت إدارة أوباما الأولى استراتيجية السودان كانت مليئة بالثقة والتفاؤل بنجاحها إلى درجة دعت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية حينها إلى إبلاغ الصحافيين يوم الإعلان عنها على نحو حاسم بتوقعاتها "اسمحوا لي بأن أكون واضحة: لقد فات أوان الكلام، والوعود الفارغة، أو التأخير بسبب سوء الفهم أو التصورات الخاطئة" ، ومع أفول شمس عهد أوباما التي تأذن بالرحيل، ثبت أن ما حدث هو بالضبط عكس ما تعهدت به هيلاري، وستكون مفارقة إن وصلت الأبيض لتجد "الوعود الفارغة" التي سخرت منها في انتظارها في ظل أوضاع أكثر تعقيداً في السودان الكبير المنقسم على نفسه.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ما الذي حدث؟ لماذا تبددت وعود الاستراتيجية الأمريكية تجاه السودان التي كانت تراهن على السلام والاستقرار سواء بقي السودان موحداً أو انقسم، هل لأنها كانت سياسية تتسم بالسطحية والسذاجة فرضتها أمانيّ جماعات الضغط جرياً وراء نصر خادع بـ "تحرير" جنوب السودان من شماله، وكلاهما في الهمّ شرق، بدون دراسة موضوعية فاحصة لطبيعة تعقيدات الأزمة السودانية ودون نظر في تبعاتها وتداعياتها، مما أثبتته الأيام حروباً أهلية أكثر ضراوة وأشد فتكاً وإضراراً بالأبرياء، أم أن الأمر كان مدروساً ومعلوماً وأن ما نشهده من اضطراب وتمزق في الدولتين ليس سوى سيناريو خفي كان متوقعاً ومنتظراً عند صنّاع القرار في واشنطن لحاجة في نفس السياسات الأمريكية لا أحد يعلم حقيقة كنهها.
وما يثير التساؤل أكثر، وليس في الأمر أي استدعاء لنظرية المؤامرة، بل محاولة لقراءة وتتبّع الوقائع وما وراءها، أن إدارة أوباما لم تنشط إلا أخيراً جداً بين يدي خروجها الوشيك من دائرة الفعل لينخرط مبعوثها السفير دونالد بووث في جولات مكوكية بعد موسم بيّات طال سنوات محاولاً إحياء الدور الأمريكي و "لملمة" أطراف الأزمات السودانية المتفاقمة في البلدين، في تحرك يجري في الساعة الخامسة والعشرين، وقد جرى الترويج في الأوساط السياسية أن الرئيس المنصرف يريد في أسابيع قليلة إنجاز ما تغافل عن تحقيقه خلال سنوات سبع، وقيل أن حزمة حوافز ستهطل جراء ذلك على البلاد والعباد، وأن كل الأمور ستتحرك باتجاه التسوية بضغوط كثيفة يقودها المبعوث بووث بمشاركة حلفاء واشنطن في المجتمع الدولي ستثمر حلولاً "سحرية" للمأزق السوداني.
عودة الجولات المكوكية للمبعوث بووث وتحركاته بين أطراف الأزمة السودانية، فضلاً عن التعويل على الحل الأمريكي الذي بات البعض يراهن عليه، تستلزم زيارة قصيرة للتاريخ القريب لفحص الوعود التي بذلتها إدارة أوباما ومردودها ومآلاتها، وحسبما أعلنت وزيرة الخارجية حينذاك هيلاري كلينتون فإن "سياسة الولايات المتحدة الشاملة لحل النزاع في السودان تركز على إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان والإبادة الجماعية في دارفور، والتطبيق الكامل لاتفاق السلام الشامل في السودان بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، وضمان ألا يصبح السودان ملاذا آمنا للمتطرفين الذين يرتكبون العنف" .
وقالت كلينتون "إن السودان اليوم بعد أكثر من أربع سنوات من التوقيع على اتفاق السلام وصل إلى مفترق طرق مهم، يمكن أن يؤدي إلى تحسن مطرد في حياة الشعب السوداني، أو أن يتردى إلى مزيد من العنف والنزاع" . وأضافت أن أهل دارفور ما زالوا يعيشون في ظل "ظروف غير مقبولة ويأباها أي ضمير" . وأشارت إلى أن تركيز الولايات المتحدة ينصب الآن على "وقف استمرار ما يجري، والتبعات الإنسانية الرهيبة للإبادة الجماعية بمواجهة المعاناة اليومية في معسكرات اللاجئين، وحماية المدنيين من العنف المستمر، ومساعدة النازحين على العودة إلى ديارهم، والتأكد من نزع أسلحة الجماعات المسلحة، وتحسين الأحوال على أرض الواقع حتى يتمكن أهل دارفور أخيرا من العيش في سلام وأمن" . وجاء في بيان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية "أن الوضع في السودان أصبح أحد أكبر الأزمات وأكثرها تدميرا للإنسانية في القرن الـ21" .
وقالت كلينتون "لم يتم تطبيق أجزاء كبيرة من اتفاق السلام الشامل الموقع في العام 2005 حتى الآن، وسوف يظل ذلك النقطة التي يتجدد منها النزاع في المستقبل ما لم يتم تطبيقه" ، وأشارت كلينتون إلى أن زعزعة استقرار السودان لا يؤدي إلى أن يعرض للخطر مستقبل الـ 40 مليون شخص من مواطنيه هناك فحسب، وإنما "يمكن أن يتحول إلى مفرخة للعنف وعدم الاستقرار في منطقة مضطربة أصلا" .
وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية بين يدي إعلان استراتيجيتها إن مصير شعب السودان يعتبر موضوعا "بالغ الأهمية بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين ابتداء من الرئيس أوباما إلى باقي المسؤولين في الحكومة" ، وإن قرار السعي من أجل تحقيق الهدفين الرئيسيين لسياسة الولايات المتحدة تجاه السودان هما "تحسين أحوال حقوق الإنسان في دارفور، والتطبيق الشامل لاتفاق السلام في آن واحد وبصورة مترادفة" . واعتبرت أن ذلك يعكس "ما لدى حكومة أوباما من الجدية والإحساس بالإلحاحية، والاتفاق الجماعي حول أفضل السبل لمواجهة التحديات المعقدة" .
وقالت كلينتون "إننا واقعيون فيما يتعلق بالعقبات التي تواجه تحقيق التقدم" ولكن "مشاكل السودان لا يمكن تجاهلها أو حلها بمجرد التمني" . وأضافت أنه رغم أن الحوار سيستمر مع أطراف النزاع، "فإن الكلمات وحدها لا تكفي" لإنهاء النزاع والمعاناة الإنسانية، والولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ إجراءات لتشجيع التقدم.
وقالت هيلاري "إن تقييم التقدم والقرارات المتعلقة بالحوافز والعقبات سيرتكز على التغيرات التي يمكن إثباتها في الأحوال والظروف على أرض الواقع. وأي تراجع من جانب أي طرف سيُواجه بممارسة ضغوط مؤكدة على شكل وضع معوقات أمامه من جانب حكومتنا وشركائنا الدوليين" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق