الثلاثاء، 18 سبتمبر 2018

قراءة في التدابير التقشفية الأخيرة في السودان!

 لا تكمن أهمية القرارات الهامة التى اتخذها الرئيس السوداني المشير البشير - الاحد التاسع من سبتمبر 2018 بتقلص هياكل الحكم، و خفض الجهاز التنفيذي الاتحادي و إتخاذ تدابير تقشفية تهدف لخفض الانفاق العام ؛ لا تكمن اهمية هذه القرارات فقط فى كونها لاقت ارتياحاً واسعاً من قبل المواطنين و القوى السياسية والمراقبين والمحللين الاقتصاديين في السودان، كونها دلت على التزام الحكومة -فعلاً وقولاً- مواجهة الصعوبات الاقتصادية بإجراءات حقيقية مؤثرة، و لكنها تتجاوز كل ذلك لتؤكد في واقع الامر على ان هذه القرارات أثمرت ثمار أكثر اهمية.
من بين هذه الثمار: أولاً، اكدت على ان حكومة الوفاق الوطني –وهي واحد من مخرجات الحوار الوطني – هي حكومة مرنة، قريبة من الواقع، مدركة لطبيعة المشاكل و قادرة على الاستجابة لاي طارئ، بالقدر المطلوب من الحلول فحالما تبين ان الأوضاع الاقتصادية ليست على ما يرام و ان من الضروري إتخاذ تدابير تقشفية و تقليل الصرف العام فان حكومة الوفاق شرعت على الفور في إنقاص وزنها، و إعادة النظر في هياكلها و التخلص من حالة الترهل التى كانت تبطئ حركتها وتقلل من قدرتها على الحركة السريعة الرشيقة لمعالجة المشاكل.
ثانياً، ثبت أيضا ان حكومة الوفاق و إلى درجة كبيرة منسجمة و متسقة فيما بينها لان قرار التقليص -لو لم تكن منسجمة و متسقة فيما بينها- كان من الممكن ان يكون مدعاة للخلاف السياسي و غضب وخروج قوى سياسية! ولكن ثبت بالدليل العملي ان حكومة الوفاق الوطنى متناسقة و متلفة حول هدف وطني كبير همه معالجة قضايا البلاد و ان مقاعد السلطة ليست هدفاً لهذه القوى وليست حريصة عليها.
ثالثاً، بدا واضحاً ايضاُ- بعكس ما ظل يعتقد الكثيرون – ان حكومة الوفاق الوطني تتمتع بحس وطني و قادرة على التقاط مشاعر و مطالب المواطنين والاستجابة للرغبة الشعبية العامة التى ظلت تدعو للتخلص من الترهلات وتقليل الانفاق العام لكبح جماح حالة التدهور في الاقتصاد الكلي، ولو لم تكن هذه الحكومة الوفاقية تتحلى بهذه الصفات لاستحال تماما إتخاذ مثل هذه القرارات.
إذن نحن الآن أمام إجراءات عملية ، ذات أبعاد إستراتيجية تنظر للمستقبل من ثقب الواقع الماثل لانتشال السودان من وهدة تردى فيها ليس بناء على أخطاء و مخالفات بقدر ما حدث ذلك جراء عقوبات اقتصادية شديدة الوطأة و قاسية عانى منها السودان لما يجاوز العقدين من الزمان.
عانى السودان من عقوبات اقتصادية و عقوبات التحويل مصرفي و فقدان قطع غيار لمشروعات بنية تحتية و حروب اهلية عبثية مدعومة من الخارج  بقوة، و قرارات دولية ظلت تعوق تدفق الأموال اليه.
 كل هذه أسهمت –كأمر مؤكد– على مجمل ادائه الاقتصادي ولهذا فان الفرصة الآن مواتية لكي يتغلب السودان على هذه المتاعب  الاقتصادية باتخاذ هذه القرارات الشديدة الأثر و الأهمية .
و يجب الا يعتقد احد أن هذه القرارات – وحدها وكما هي – كافية لمواجهة تحديات الاقتصاد فهي ضمن قرارات أخرى سوف تصدر تباعاً، و ضمن تدابير يومية تستهدف خلق نهضة اقتصادية و إجراء مراجعات في هياكل الاقتصاد هي التى من المؤمل ان تحقق النهضة الاقتصادية المنشودة. والايام القليلة المقبلة حافلة بالكثير مما يثلج صدر المواطن السوداني .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق