الخميس، 20 سبتمبر 2018

واشنطن.. البكاء بين يدي لاهاي!

أعلنت الإدارة الامريكية رسمياً -الاثنين العاشر من سبتمبر 2018- أنها بصدد اتخاذ إجراءات ومواقف (صارمة) من محكمة الجنايات الدولية. جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي أعلن ذلك في كلمة له أمام الجمعية الإتحادية؛ وهي جمعية (محافظة) تمثل احدى تقاليد الأمريكيين التاريخية تتخذ من العاصمة واشنطن مقراً لها وتحظى باحترام الإدارات الامريكية على مر التاريخ.
خطاب بولتون الذي يقال انه جاء نتاجاً لمشورة عميقة في نطاق ضيق في البيت الأبيض أورد بالنص (ستستخدم الولايات المتحدة أي وسيلة لحماية مواطنيها و مواطني حلفائها من المقاضاة  الجائرة من هذه المحكمة غير الشرعية).
و يضيف بولتون (لن نتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية . لن نقدم أي مساعدة إلى المحكمة الجنائية الدولية ، لن ننضم إلى المحكمة الجنائية الدولية، سنترك المحكمة الجنائية الدولية تموت من تلقاء نفسها)! ومن المؤكد ان المراقبين في واشنطن و في لاهاي فغروا فاههم وهم يراقبون هذا الموقف الغاضب الثائر ضد المحكمة الجنائية الدولية و على لسان – مستشار الأمن القومي الأمريكي – أحد ابرز المسئولين المقربين إلى الرئيس شخصياً، وبما يشير وفق دلالات الحدث ان قضية المحكمة الجنائية بالنسبة لواشنطن أصبحت (قضية أمن قومي) بامتياز!
وعلى الرغم من ان لاهاي أعربت عن اعتزامها إجراء تحقيق بشأن جرائم حرب محتملة ربما تكون وقعت إبان الضربات العسكرية المدمرة التى أقدمت عليها واشنطن عقب احدث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في أفغانستان، و على الرغم من ان قرار التحقيق لم تتم ترجمته بعد على ارض الواقع و أن من الصعب ان يجري التحقيق نظراً لما هو معروف بطبيعة الإجراءات التى ينبغي ان تسبق هذه الخطوة و التى ربما تتطلب عرض الأمر على مجلس الأمن الدولي و الذي من المستحيل -طبقاً لطبائع الأمور- ان يمرر قضية كهذه، فان واشنطن ولمجرد شعورها بأن جنودها و جنود حلفائها الذين ارتكبوا فظائع حقيقية سيكونون عرضة للتحقيق سارعت باتخاذها هذا الموقف .
واشنطن استشعرت خطوة الأمر وواتاها شعور بالإهانة لمجرد أنها ربما تخضع لتحقيق دولي يجعل منها متهمة معرضة لشماتة الآخرين. و ربما طاف بذهن إدارة الامريكية كيف انها بمنتهى السهولة عملت على إحالة ملف إقليم دارفور في عام 2005 إلى مجلس الأمن الدولي، وحرصت على ان تتم إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية.
يومها كانت واشنطن تعتقد ان هيبتها وكبريائها و نفوذها الدولي سيكون عاصماً لها من أي ملاحقة     جنائية و لكن في الوقت نفسه فان من السهولة بمكان إحالة (الآخرين) من غمار دول العالم إلى المحكمة.
بل ان واشنطن -ولسوء حظها السياسي- لم تجد حرجاً في إعلان عدم تعاملها المباشر مع الرئيس البشير لمجرد أنه مطلوب بواسطة الجنايات الدولية . كانت واشنطن وما زالت تستخدم شرعية المحكمة (اللا شرعية) لكي تضغط على السودان بها، ولكن هاهي هذه المرة تصف مقاضاة المحكمة بأنها (مقاضاة جائرة) وأنها (محكمة غير شرعية) ثم تردد بأسلوب تظاهري هتافي مشوب بغضب ، لن نقدم مساندة للمحكمة، لن ننضم للمحكمة ، سنترك المحكمة تموت ، من تلقاء نفسها!
نعم  سيد ترامب و سيد بولتون دعوا المحكمة تموت بمن تلقاء نفسها، فلو أنكم فعلتم ذلك منذ سنوات لما كانت لكم الحاجة ألان للصراخ و البكاء بين يدي فاتو بنسودا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق