الأحد، 28 فبراير 2016

فقدان حاسة الشم الوطنية!

ظلت وربما لا تزال واحدة من أبرز تعقيدات الأزمة في السودان عدم التفريق الموضوعي ما بين مصلحة الدولة والشعب، وما بين مخاصمة نظام حكم بعينه يتفق الناس أو يختلفوا في تقييم ممارسته للحكم. هذه الأزمة هي الأزمة الجوهرية فى المنازعات السياسية السودانية في السنوات الأخيرة.
هنالك من حملوا السلاح بإيعاز من أجانب وبدعم سخي وحماية ظهر كاملة وما يزالوا يتلقون أوامرهم منهم ويطيعونهم طاعة عمياء (الحركات المسلحة). هناك من خرجوا للعواصم الأجنبية وفنادقها الفخيمة، يعقدون الاجتماعات ويقيمون الندوات لصالح آخرين وضد مصالح بلادهم (ساسة معارضين). وهناك قسم ثالث، (بقي بالداخلي) على مضض لكنه (على صلة) بآخرين فى الخارج يرسل لهم ما تيسر من ما يراه (مفيداً لهم) ظناً منهم أنهم يعاونونه على إسقاط خصومه فى السلطة!
ربما بدا لكثيرين أن الأمر هنا يتعلق بتقديرات هؤلاء الخاصة ودرجة وطنيتهم ومدى صلابة مبادئهم، أو حتى حقهم فى الحرية واتخاذ الموقف والتوافق مع الآخرين؛ وهذا صحيح فى ظاهره، ولكن في الحقيقة فإن العمل السياسي متى فقد الوازع الوطني والشعور العالي بالوطنية وتحاشي تدخل الآخرين -من الخارج- في الشأن الداخلي فإنه يتقرب من (العمالة) والتجسس بأكثر مما هو مجرد عمل سياسي.
وقد رأينا مؤخراً كيف أن من يطلقون على أنفسهم (تحالف قوى المعارضة بالولايات المتحدة) وقعوا فى المحظور المؤسف. سخروا من عريضة شعبية قدمها مواطنون سودانيون عبر البريد الالكتروني للبيت الأبيض الأمريكي بغية رفع العقوبات عن السودان. هؤلاء المعارضون ولفرط عدم تفريقهم بين مصالح أبناء شعبهم وبين خصومتهم للنظام الحاكم؛ أعتبروا هذه المحاولة محض هراء سياسي وتهريج لا قيمة له.
دافعوا بضراوة عن العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان منذ 23 عاماً ووصل بهم الأمر لدرجة إنهم قالوا إن المواطنين السودانيين ليسوا متضررين من هذه العقوبات! المتضرر منها قادة المؤتمر الوطني! كيف؟ قالوا حتى يتم الإفراج عن حساباتهم المصرفية المجمدة جراء هذه العقوبات! حديث لا يمكن لعاقل أن يقول به مهما كانت درجة عدائه للنظام القائم. بل إن الأمريكي أنفسهم ورغم كل حدتهم في فرض العقوبات وافتقارهم لأي منطق في تبرير فرضها لم يقولوا قط إن المواطنين السودانيين ليسوا متضررين من هذه العقوبات!
إذن نحن أمام حالة فردية في الممارسة السياسية اخترعها نشطاء سودانيين اختلطت عليهم الوطنية والديمقراطية والحرية بحيث فقدوا رائحتهم  الوطنية وتحولوا من مواطنين معارضين إلى ناشطين يعملون للصالح الأمريكي. هذا الموقف من الصعب التخلص منه ما لم تتفتح المسام الوطنية فى أذهان الذين يمارسون العمل السياسي في السودان .
هناك مستقبل وهناك مصالح عليا، وهناك قضايا لا تخضع للمساومات ولا تخضع لأي مغامرات، هي قضايا تخص المواطنين البسطاء وحقوقهم ومصالحهم، لأن الأنظمة تبقي وتمضي ولكن الباقي فى خاتمة المطاف هو الوطن وشعب الوطن، ولهذا فإن من أهم المخرجات التي يجب أن تعقب إنفاذ مخرجات الحوار الوطني، إنفاذ مخرجات إضافية الهدف منها قطع دابر العمل المعارض المنطلق من (موائد الخارج) ومن منصات الأعداء التي يعتقد هؤلاء المعارضون أنها تخيف النظام الحاكم أو تضغط عليه وهم لا يدرون أن مثل هذه السقطات تزيد من قوة التفاف القوى الشعبية الوطنية حول نظامها الحاكم، كما تقلل قيمة هؤلاء المعارضين وتحط من قدرهم أمام بني وطنهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق