الثلاثاء، 23 فبراير 2016

حركات للبيع

ظلت حركات التمرد في دارفور منذ نشأتها تقتات علي التناقضات بالمنطقة، فوجدت رعاية ودعماً لوجستياً ومادياً وعسكرياً من نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي مستغلة أحلامه وجنونه، ثم استغلت غضب أنجمينا من الخرطوم فاحتضنتها تشاد، وبعد انفصال جنوب السودان، استعان بها الرئيس سلفاكير ميارديت لتوطيد أركان حكمه.
وهبت علي المنطقة كثير من المتغيرات التي أحدثت تحولات جاء خصماً علي متمردي دارفور، فذهب نظام القذافي وقبله توطدت العلاقات بين أنجمينا والخرطوم، وأخيراً أنهكت الحرب جنوب السودان ثم صارت الدولة الوليدة قريباً من الدولة الأم، مما ضيق الخناق علي المتمردين الذين تلقوا ضربات موجعة من الجيش وقوات الدعم السريع كانت قاصمة الظهر لهم في دارفور.
ومنذ الربع الأول من العام الماضي لم تشهد دارفور مواجهات بين الحكومة والمتمردين، وكانت آخر معركة في قوز دنقو نهاية أبريل 2015، وفي يناير الماضي بمناطق في جبل مرة تعتبر معقل حركة عبد الواحد محمد نور.
مرة أخري تتهيأ لمتمردي دارفور تناقضات جديدة في ليبيا أيضاً حيث بقايا نظام القذافي، وقوات اللواء خليفة حفتر التي تسعي إلي السيطرة علي الأوضاع، لكنها ينقصها الرجال، فوفرت المال والدعم العسكري لقادة حركات دارفور الذين نقلوا قواتهم إلي جنوب ليبيا للقتال إلي جانب حفتر ضد الثوار، وتحولت الحركات إلي مرتزقة من أجل المال لأن مسرح هذه الحركات هي دارفور وليس ليبيا.
واستغلت حركات دارفور حالة الفوضى والسيولة في ليبيا، فصارت تنهب المنقبين عن الذهب والنفط وتعمل في تجارة البشر، كل ذلك من أجل المال، فهي لا تقاتل هناك من أجل قضية بعدما تركت أرضها وساحة معاركها خلفها، وباتت بعيدة عن المواطنين الذين تزعم أنها حملت السلاح من أجلهم.
التاريخ لا يرحم وذاكرة الشعب ليست مثل الأسماك، وسيسجل أن حركات زعمت انتهاج النضال المسلح من أجل قضية عادلة، صارت بندقيتها تشتري بالمال لتحقيق مآرب صاحبه، وضللت الشباب باسم النضال وزجت بهم في أنشطة منافية للأخلاق.
والوجه الآخر للأمر مقلق كذلك، فالمعلومات المتوفرة لدي بعض مجموعات الثوار في ليبيا، تفيد أن اللواء خليفة حفتر يطرح نفسه حليفاً مع الدول الغربية التي تخطط لقصف تنظيم "داعش"، بحيث تكون مهمته قتال المتطرفين علي الأرض بغطاء جوي غربي، مستخدماً متمردي دارفور في العملية، لتجنب عدم فعالية ضرب التنظيم من الجو فقط كما يحدث في سوريا.
وفي حال أفلح حفتر في مخططه، فإن ليبيا ستعيد الروح لحركات دارفور التي ستجد دعماً عسكرياً ومادياً كبيراً يتيح لها إعادة بناء نفسها وجذب المزيد من المقاتلين الحالمين بالدينار، وربما دفعها ذلك إلي التفكير في مغامرات جديدة في دارفور بالأصالة أو الوكالة لتنفيذ أجندة من يقفون وراءها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق