الأحد، 25 مارس 2018

(التشبث بالأمل)

في خطوة جديدة، لإنهاء الصراع في ولايتي النيل الأزرق، وجنوب كردفان، أعلن المبعوث الأممي لدولتي السودان، وجنوب السودان، نيكولاس هايسوم، عن سعي المنظمة الدولية لتقريب وجهات النظر بين الحكومة، والحركة الشعبية/شمال لتحقيق السلام.
وسبق أن خرج مفاوضو الحكومة والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، في فبراير الماضي، من جولة تفاوض دامت أربعة أيام، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، دون تحقيق اختراق في مواقف أي من الطرفين.
وجراء خلافات حول طريقة إيصال المساعدات الإنسانية تعثرت الجولة السابقة، تمامًا كما حدث لجولة التفاوض الماضية، عندما كانت الحركة الشعبية موحدة، تحت قيادة مالك عقار، ونائبه الحلو.
حسنًا، المبعوث الأممي، أكد لدى لقائه مسؤولين في السودان مؤخرا، على ضرورة تحريك المبادرة المشتركة مع الاتحاد الأفريقي للوصول إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار.
المبعوث الأممي، دعا أيضًا، الحركة الشعبية/ شمال إلى الوصول إلى صيغة موحدة ورؤية حول الحوار والتفاوض مع الحكومة السودانية.
وتعهد بالسعي مع الوسطاء في الآلية الأفريقية رفيعة المستوى لإقناع الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو بالتوقيع على اتفاق للهدنة.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية، إن مبعوث الأمين العام للأم المتحدة إلى السودان وجنوب السودان نيكولاس هايسوم طلب لقاء وزير الخارجية إبراهيم غندور وبحثا سويا تطورات عملية السلام في السودان وجنوب السودان.
وأفاد نائب المتحدث باسم الخارجية جعفر سومي، أن هايسوم أمن على الآثار الإيجابية التي ترتبت على تجديد إعلان وقف إطلاق النار من جانب الحكومة، في المنطقتين.
وأضاف: “أكد أنه سيواصل مساعيه بالتنسيق مع الفريق رفيع المستوى التابع للاتحاد الأفريقي لإقناع قادة الحركة الشعبية، بالتوصل بأعجل ما يمكن للاتفاق والتوقيع على اعلان وقف العدائيات الذي يفضي إلى الوقف الدائم لإطلاق النار وصولاً إلى التسوية السياسية”.
وبحسب سومي فإن المبعوث استمع قبلها من غندور إلى تنوير حول الأوضاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق “وحالة الاستقرار التي تحققت بفضل التجديد المتكرر لإعلان وقف إطلاق النار من جانب الحكومة، ولاحقاً إعلان وقف العدائيات من جانب الحركة الشعبية قطاع الشمال”.
ونقل المتحدث عن الوزير تأكيده حرص الحكومة على المحافظة على وقف إطلاق النار وعدم العودة للحرب ومن ثم تهيئة المناخ السياسي اللازم للتوصل للتسوية السياسية والسلام.
لم ترواح قضية وقف الأعمال العدائية بين الطرفين مكانها، واتفق الطرفان على إيقاف إطلاق النار بشكل أحادي، وهو ما ظل الجانبان يعملان به لقرابة العامين في الولايتين المتأثرتين بالحرب.
وتقاتل الحركة الشعبية القوات الحكومية في هاتين الولايتن، منذ انفصال الجنوب عن السودان، عبر استفتاء شعبي، عام 2011.
وانهارت جولة تفاوض، في أغسطس 2016، إثر تمسك الحكومة بإغاثة متضرري الولايتين عبر مسارات داخلية، بينما أصرت الحركة على إيصال 20 % من المساعدات عبر مدينة “أصوصا” الإثيوبية المتاخمة للولايتين.
في المقابل تتمسك الحكومة برفض نقل المساعدات الإنسانية عبر محطات خارجية، لأن ذلك يعني الاعتراف بالحركة الشعبية ندًا للحكومة، وهو ما ينتقص من سيادة السودان، وفق الخرطوم.
كما تتخوف الحكومة من احتمال استغلال المساعدات القادمة من الخارج لتكون بوابة لإدخال أشياء أخرى، مثل السلاح والذخيرة، ما يؤدي إلى تقوية المتمردين وإطالة أمد الحرب.
وفي نوفمبر 2016 اقترحت واشنطن أن تنقل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المساعدات الطبية إلى المدنيين في مناطق سيطرة المتمردين بعد إخضاعها لمراقبة السلطات السودانية. وقبلت الخرطوم بالمقترح الأمريكي، لكن الحركة تمسكت بإدخال 20 % من المساعدات عبر مدينة “أصوصا” الإثيوبية.
لعل تجاوز هاتين القضيتين، وهما وقف الأعمال العدائية وإيصال المساعدات الإنسانية، لن يفضى وحده إلى اتفاق سلام، لوجود قضايا سياسية أخرى شائكة، بحسب مراقبين.
وبجانب إنهاء الأزمة الإنسانية، تدعو الحركة الشعبية إلى حل سياسي شامل للأزمة السودانية، وإجراء حوار وطني متكافئ، ووقف الحرب بالتزامن في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، ودارفور، فضلًا عن ترتيبات أمنية وسياسية جديدة للولايتين.
وحتى لو تغيرت هذه الأطروحات، فالملفات التي سيتم طرحها مستقبلًا ستكون أكثر تعقيدًا، فالاتفاق حول وقف العدائيات وإيصال المساعدات الإنسانية لن يكون سوى خطوة أولى، ربما لا تفضي إلى إحلال سلام، وفق مراقبين. فيما يذهب آخرون إلى أن الحركة الشعبية قد تتنازل على صعيد “المسارات الإنسانية” مقابل أن تطرح حق تقرير المصير، بعد أن أقر جناج الحلو حق تقرير المصير لجبال النوبة (جنوب كردفان)، خلال مؤتمر للحركة بجنوب كردفان، في أكتوبر الماضي.
كما أن حق تقرير المصير يعد واحدا من أسباب إقالة الأمين العام من الحركة الشعبية، ياسر عرمان، رئيس وفد الحركة للتفاوض مع الخرطوم، في السنوات الماضية، بعد رفضه إدراج تقرير المصير في ورقة الحركة التفاوضية للسلام مع الحكومة. وتلك كانت بذرة لحدوث انقسام في الحركة الشعبية إلى جناحين، الأول بقيادة عبد العزيز الحلو، والثاني بقيادة مالك عقار.
وسبق أن أعلنت الخرطوم، في أكتوبر الماضي، رفضها لإدراج حق تقرير المصير للولايتين في مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية المتمردة، بحسب المتحدث باسم الحكومة، أحمد بلال عثمان.
وإلى حين التئام المفاوضين مرة أخرى، وفق دعوة من الوساطة الأفريقية رفعية المستوى، بقيادة ثامبو أمبيكي، تظل القضايا الخلافية حاضرة بقوة بين الحكومة والحركة الشعبية المتمردة، وربما تقود إلى جولات تفاوض أكثر تعقيدًا.
وكان العامل الحاسم في تفجر النزاع، اتهام الحركة للحكومة بتزوير انتخابات نُظمت في يونيو 2011، لانتخاب حاكم ولاية جنوب كردفان، المنصب الذي ترشح له نائب رئيسها، عبد العزيز الحلو.
وبعد أسابيع من بدء الاقتتال، تمكن الوسيط الأفريقي، ثابو أمبيكي، الذي يعمل بتفويض من الاتحاد الأفريقي، لتسوية القضايا الخلافية المترتبة على التقسيم، بين السودان وجارته الوليدة، من إقناع الطرفين بالتفاوض.
وبالفعل نجح أمبيكي في دفع الخصمين لتوقيع اتفاق إطاري، بعد مفاوضات سلسة، لم تستغرق سوى بضعة أيام، في أديس أبابا.
لكن رئيس الجمهورية عمر البشير، رفض الاتفاق، واعتبر أن الوفد الحكومي لم يكن مفوضا لإبرام بعض البنود، ومنها بند ينص على شراكة سياسية، لاقتسام السلطة.
وتسبب الأمر في نقل النزاع إلى ولاية النيل الأزرق، التي كان يشغل منصب الحاكم فيها رئيس الحركة، مالك عقار، بعد فوزه في الانتخابات التي أجريت في 2010، بموجب اتفاق السلام مع المتمردين الجنوبيين.
والحال كذلك، لجأ الطرفان إلى تصعيد عسكري، غداة إبرام قطاع الشمال لتحالف مع ثلاث حركات تحمل السلاح منذ 2003 في دارفور، هي حركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، حركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد نور وحركة تحرير السودان بزعامة أركو مناوي، الذي انشق عن نور في 2006.
لكن الطرفين عادا إلى التفاوض في أغسطس 2012، بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي، كان ضمن مساع دولية، لاحتواء اشتباكات عسكرية بين الخرطوم وجوبا، اللتين تتبادلان الاتهامات بدعم المتمردين.
وبلغت تلك الاشتباكات ذروتها باحتلال جيش الجارة الجنوبية منطقة هجليج، التي تنتج غالبية النفط السوداني، في أبريل 2012، قبل أن تعلن الخرطوم تحريرها، بعد 10 أيام.
غير أن المفاوضات لم تثمر، نتيجة خلاف الطرفين حول أجندة التفاوض، إذ طالبت الحكومة بأن تقتصر المحادثات على قضايا الولايتين فقط، مقابل تشدد الحركة في أن تشمل كل القضايا القومية، وعلى رأسها أزمة الحكم.
ولاحقا فشلت عدة جولات لذات الأسباب، قبل أن يجد الوسيط مخرجًا في دعوة حوار وطني لكل القوى السياسية، أطلقها البشير مطلع العام 2014.
وفي أغسطس 2014، وسع الاتحاد الأفريقي تفويض أمبيكي، ليشمل المساعدة في إنجاح مبادرة الحوار، التي مثلت حلًا تلقائيًا للخلاف حول أجندة التفاوض، على المستويين الولائي والقومي.
وبالفعل نجح الوسيط في دفع وفدين، أحدهما يمثل الحكومة والآخر الحركات، للتوقيع على إعلان مبادئ في سبتمبر 2014، استجاب لعدد من شروط المعارضة لقبول مبادرة البشير، من بينها تهيئة المناخ عبر عدة خطوات تشمل إطلاق سراح المعتقلين، وصون الحريات العامة. وبناءً على إعلان المبادئ، دعا أمبيكي إلى جولة مفاوضات، شملت مسارًا جديدًا بين الحكومة وحركتي جبريل ومناوي، اللتين تحاربان في دارفور، بينما رفضت حركة نور الانضمام للعملية، مُشككة في جدية الخرطوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق