الأربعاء، 7 نوفمبر 2018

الحلو وأحلام مستحيلة!

لم تتوصّل المفاوضات الاستكشافية غير المعلنة التى جرت مؤخراً بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال التى صيغة سياسية يمكن ان تصبح لبنة في المفاوضات الرسمية المقبلة؛ ويعود السبب في ذلك إلى المواقف المتعنتة والسقوفات العالية التى أبزرها وفد الحركة والتى تمثلت في طرح تقرير المصير والاحتفاظ بجيش الحركة طوال فترة انتقالية مدتها 10 سنوات!
و المتأمل في طرح الحركة شمال و الذي يقف وراءه زعيمها عبد العزيز الحلو لا يجد صعوبة في فهم بعض دواعي هذا الطرح والهدف الذي يرمي اليه الحلو. فمن جانب أول فان الحلو على ما يبدو راهن على كسب المزيد من الوقت أملاً في حدوث متغيرات على صُعد كثيرة ربما تفيد حركته، فالرجل يدرك أن ميزان القوة ليس في صالحه من الناحية العسكرية وفي ميادين القتال، وربما لهذا السبب حاول ان يبدو في أروقة المفاوضات كقائد عسكري مهاب الجانب، يمتلك قوة عسكرية ضاربة ومن الممكن أن يحدِث فرقاً.
كان واضحاً ان هذا التظاهر الشكليّ المظهري يخفي وراءه مخاوف وهواجس كامنة في نفس الرجل ربما تجعل موقفه التفاوضي ضعيفاً، خاصة انه فقد رفاقه (عرمان وعقار) وعليه ان يثبت أنه قادرة على ملء الفراغ وتحقيق ما عجزوا هم عنه تحقيقه، لهذا فكلما طالت عملية وقف اطلاق النار التى تناسب حركته وتحقق له قدراً من الراحة – فإنه بذلك يستطيع الاحتفاظ بما يملك من القوة ويتحاشى أية هزائم من شأنها إضعاف موقفه أكثر.
ومن جانب ثاني فان الحلو ما يزال يطلق العنان لأحلامه الشخصية والخاصة في أن يحقق ما حققه الراحل جون قرنق في نيفاشا 2005 بالحصول على تقرير مصير والاحتفاظ بجيشه وفترة انتقالية طويلة. وإمعاناً من الرجل في التفوق على قائده الراحل فانه طرح فترة انتقالية أكثر من التى تمت في نيفاشا وزاد عليها 4 أعوام إضافية تعبيراً عن زهوه وفخره بتحقيق ما لم يحققه زعيمه.
ولكن  من الناحية الموضوعية الواقعية فان الحلو – ومن حيث لا يدري – تكفل بالكشف عن كوامنه النفسية وتطلعاته المستحيلة في مفاوضات إستكشافية واحدة من أهم أهدافها معرفة خبايا ذهنية الخصم ومسار تفكيره والمدى الذي تتمدد فيه رؤاه!
ومن الواضح هنا ان الحلو وربما من حيث لم يحتسب أعطى إشارة مهمة عن طبيعة خبايا نفسه وما يتمناه ويشتهيه مع علمه باستحالة تحقيقه هذا الحلم! فلو أن الرجل كان واقعياً موضوعياً لما طرح فكرة تقرير المصير، فهذه الفكرة غير قابلة لتكرار، ففي التاريخ عادة ما تكون مثل هذه الرؤى نادرة، وعابرة ولا تصلح للتكرار.
 ولعل ابلغ دليل على عدم واقعية أطروحة تقرير المصير استحالة تكرراه لصالح مناطق جنوب كردفان أن اتفاقية السلام الشاملة نفسها الموقعة في نيفاشا 2005 لم تجرؤ على منح المنطقتين حق تقرير المصير، بل كفلت لها فقط ما عرف بـ(المشورة الشعبية*) والتى لم تتجاوز معرفة وقياس ما تم تحصيله من مكاسب سياسية واقتصادية عقب انقضاء الفترة الانتقالية لصالح المنطقتين وما إذا كان ضرورياً معالجة بعض النواقص و إعطاء خصوصية تنموية للمنطقتين.
وإجمالاً كان الغرض من المشورة الشعبية الإستيثاق و التأكد من أن المنطقتين حظيتا بالقدرة المطلوب من التنمية و المعالجات السياسية والإدارية في الفترة الانتقالية وهو أمر كانت الحركة الشعبية الأُم ترمي من ورائه إلى استصحاب قضية المنطقتين ضمن قضاياها بحكم وجود متمردي المنطقتين ضمن قوات الحركة .
وعلى ذلك فان القفز فوق كل تلك الحقائق والبدء من الصفر بطرح حق تقرير مصير كهذا فيه شطط يفتقر إلى أدنى درجات العقلانية ومن المستحيل أن يجد قبولاً من أحد، خاصة و أن المجتمع الإقليمي والدولي صار على قناعة إن تجربة انفصال دولة الجنوب لم تكن سعيدة بحال من الأحوال!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق