الاثنين، 5 نوفمبر 2018

السودان مركزاً إقليمياً لفض النزاعات وترسيخ الأمن الإقليمي

 استحق السودان ان يطلق عليه خبير السلام وفض النزاعات المتوج في الاقليم، ففي أواخر الأسبوع الماضي كانت عاصمة دولة جنوب السودان – جوبا تحتضن محفلاً إقليمياً بهيجاً للسلام، حتى بدا لبعض الفرقاء الجنوبيين فى ميدان الحرية الفسيح ان الأمر أشبه بالحلم أو المعجزة!
نجح السودان فى إحالة مناظر القتل و الدماء و جموع الفارين التى كانت سمة بارزة للعاصمة الجنوبية جوبا قبل أشهر الى واحة سلام أعادت البسمة الى الوجوه السمراء التى طال امد الاحتراب فى ما بينها حتى تملك اليأس الكثيرين وهاجروا لأوروبا والولايات المتحدة.
ولعلها مفارقات القدر التى أدهشت العالم بأسره ان السودان الذي كان يُعيّر الى عهد قريب بأنه بلد فاشل و يعج بالنزاعات وأعمال العنف والحروب و المجاعات، ها هوالان يتحول فى اقل من عقدين من الزمان –بجهده ومثابرته– الى بلد يحمل لواء إحلال السلام ويبذر بذور الاستقرار. ومن المهم هنا ان نمعن النظر في الانجازات السلمية التى نجح السودان فى تحقيقها طوال العقدين الماضيين وأصبحت عنواناً للاقليم.
ففي يناير 2005 نجح السودان وبشهادة المجتمع الدولي فى ارساء عملية سلام تاريخية بين شماله و جنوبه على نحو استراتيجي مستدام، اذ شهد العالم يومها ان السودان خاطب أساس وجذور المشكلة المزمنة بين شماله وجنوبه بحيث ضحّى بمنح الجنوب حقه فى تقرير مصيره دون أي تردد. وقد استخلص المجتمع الدولي من ذلك ان السودان وهو يقدم هذه التضحية التاريخية – بالتخلي عن جزء عزيز من أرضه – يهدف فى الأساس لإجتراح حل جذري استراتيجي لنزاع مزمن ومتطاول استمر لأكثر من نصف قرن وكلف الدولة والإقليم والأمن والسلم الدوليين ما كلف من المال والجهد والدماء.
اتفاقية السلام الشاملة (نيفاشا 2005) كانت فى واقع الأمر الدليل العملي على ان السودان ينظر الى ما هوأعمق من مجرد انهاء حرب او وضع حد لنزاع، فهو ينظر نظرة شاملة لأمن الإقليم ودول الإقليم وضرورة استتباب الأمن بصورة مستدامة. الأمر نفسه فى اتفاق الشرق 2007 إذ أنه قَبِل وساطة أسمرا وأجرى عملية إعادة تأمين للمنطقة بحيث تلاشت مكدرات الأمن فى شرق السودان وصمد أمن واستقرار الشرق منذ ذلك الحين وحتى الآن دون ان يلوح ما يمكن ان يكدر صفو الأمن على الساحل الشرقي للبحر الأحمر، ومناطق الشرق بحيث باتت أسمرا نفسها آمنة.
وفى اتفاقية الدوحة الخاصة بالسلام في دارفور 2012 عمل السودان على توطيد أمن إقليمه الغربي جيداً بحيث تلاشت تدريجياً المواجهات المسلحة واندثرت عمليات العنف حتى قررت قوات حفظ السلام المشتركة (يوناميد) الخروج من الاقليم وبدأت بالفعل تخفيض عناصرها تدريجياً، كما ان السودان أقام قوات مشتركة مع جاره تشاد تجاوزت حتى الآن عامها الخامس بحيث ترسخت عملية استقرار الحدود وحركة المواطنين وتم القضاء تماماً على منغصات الأمن فى الحدود الغربية.
 هذا التاريخ الطويل المشرف للسودان فى تأسيس أمن إقليمي وجوار استراتيجي آمن فى الاقليم أهّله دون شك ليكي صبح هذا البلد صاحب اكبر تجربة وخبرة فى فض النزاعات ونزع فتيل المواجهات وأمن المنطقة، فإذا أضفنا لذلك دوره المحوري فى تأسيس لجنة أمن ومخابرات شرق ووسط أفريقيا (السيسا) وما حققته هذه المجموعة الإقليمية من تبادل الرؤى والافكار لصالح أمن المنطقة نفسها منذ ادارة بوش الابن مروراً بأوباما وحتى الإدارة الحالية ثم جهوده فى مكافحة تجارة البشر والجرائم العابرة للدولة وجرائم غسيل الأموال، فان هذا البلد بلا أدنى شك اصبح يتمتع بمزايا إستراتيجية ممتازة جعلت منه مركزاً اقليمياً ودولياً لفض النزاعات ولترسيخ عمليات الأمن والسلم والاستقرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق